الثورات العربية تبشر بربيع المرأة





جرش نت - لم يكن 2011 عام "الربيع العربي"    فحسب بل كان ربيع المرأة بجدارة، لا سيما في ظل الدور الكبير الذي لعبته في إنجاح هذا الربيع على الأصعدة والميادين كافة. إذ لم تكن مجرد جزء منه بل ناصفت هذا النجاح جنبا إلى جنب مع الرجل.
ومن المنصف أن تكون المحصلة النهائية للمرأة العربية موازية للدور المهم والكبير الذي لعبته في هذا الربيع، إذ إن أقل ما تستحقه النساء العربيات المساواة، الكرامة، الديمقراطية، العدل، وهي المطالب ذاتها التي انتفضت من أجلها شعوب الربيع العربي.
وقد قلبت الصحوة العربية التاريخ رأسا على عقب، حيث خرج الملايين إلى الشوارع للتظاهر وحملوا أرواحهم على أكفهم مستعدين للتضحية من أجل الكرامة، رافضين استمرار حكم الأنظمة الفاسدة التي لم تكن تمارس القمع فحسب بل تقتل حق العيش بكرامة.
مكانة المرأة في الربيع
العربي مشرفة

أجمعت العديد من الحقوقيات والناشطات العربيات على الدور الإيجابي الذي لعبته المرأة في الربيع العربي، مؤكدات أهمية ما قامت به لتحقيق الحرية، العدالة والتخلص من الظلم والاستبداد، حيث تمكنت مجموعة من النساء العربيات في ضوء الربيع العربي أن يحجزن لهن مكانا مشرفا، رفضن فيه الظلم وثرن في وجهه، وطالبن بالكرامة.
وبرزت العديد من الأسماء النسائية التي كانت مغمورة في السابق نتيجة للقمع وانعدام حرية الإعلام، في حين ازدادت شهرة اللواتي ناضلن طوال السنوات الماضية لإعلاء شأن الحرية والديمقراطية في أوطانهن وفق ما صرحت به ناشطات.
واستطاعت المرأة العربية أن تصرخ بصوت عال رافضة القمع والذل الذي تعيشه هي أكثر من غيرها فهرعت إلى الشوارع رافعة تلك الشعارات التي طالبت بالعيش الكريم والتخلص من الديكتاتورية التي أرهقتها عقودا عدة.
وما ميز الربيع العربي خلعه للصبغة الذكورية، ما أثار إعجاب الكثيرين في العالم العربي والغربي على حد سواء فقد شارك في هذه الثورات مئات الآلاف من الوجوه النسائية وهو أمر يبعث للفخر، لاسيما وقد لعبت المرأة دوراً مماثلاً للرجل سواء في التظاهر بالميادين والشوارع، أو ممارسة النشاط السياسي على الإنترنت، وهو ما أشارت إليه الكاتبة والناشطة السياسية المصرية عفاف السيد في تصريح خاص لـ "الغد"، حيث نوهت  إلى المشاركة القوية والفعالة لنساء مصر في النزول إلى ميدان التحرير، إذ لم يفكرن في حبس أنفسهن وإنما كان نزولهن بشكل تلقائي وفاعل وتلبية لنداء الحرية التي عانت منه أكثر من الآخرين.
وقد عانت المرأة المصرية، وفق السيد، من القهر والقمع المركب ليس سياسيا فقط بل ثقافيا ودينيا فكانت تلبيتها للحرية والتحرر أقوى، واصفة نزول البنات إلى ميادين التحرير ومعهن الأمهات بالمعزوفة الموسيقية.
وتشاطرها في ذلك الناشطة اليمنية نادية الكوكباني التي أشارت في تصريحها لـ "الغد" إلى أن المرأة اليمنية خرجت ولديها طموح حقيقي في التغيير وبذلت الكثير من مجهودها المالي والجسدي والفكري في دعم تلك التظاهرات من خلال تقديم المساعدات الإنسانية، إلى جانب الحقوقيات والأكاديميات اللواتي نزلن للمطالبة بحقوقهن ورفع سقف تلك الحقوق.
وتقول الناشطة البحرينية فوزية رشيد لـ "الغد" أن خروج المرأة العربية كما هو الحال في مصر وتونس وبعض البلدان الأخرى مثل؛ ليبيا واليمن وسورية مؤخرا ومشاركتها في الحركة الشعبية الحقيقية هي منذ القدم وليست وليدة العصر.
الثورات عززت دور المرأة العربية
"النساء دائما فاعلات وليس هذا غريبا" وفق السيد التي تقول إن المرأة سباقة في كل شيء، ولكن لم يكن هذا واضحا إلا بعد أن تجمع قلب الوطن وروحه في الميادين، فشاركت بشكل فعَال جنبا إلى جنب مع الرجال، بل تفوقت.
وتضيف أن المرأة فاجأت نفسها وأذهلت العالم ليس في المواجهة فقط بل في الإصرار على البقاء، فقد كنّ أكثر من المعتصمين في الميادين في كل التيارات، خصوصا الليبرالي واليساري، حيث استطاعت البنات والنساء المفعمات بالحرية الفكرية أن يكن محفزات للرجال.
وتؤكد الكوكباني أن نجاح الثورات في مصر، تونس وليبيا زاد من وعي المرأة اليمنية التي لم تكن تحظى بحقوقها المكتسبة على أكمل وجه في ظل الإحباط من قبل النظام.
حيث أصبحت المرأة اليمنية الآن تطالب بمزيد من الحرية والحقوق، بحسب الكوكباني التي تنوه إلى أنها تطالب بالتغيير أكثر من قبل وأصبحت تناضل من أن أجل أن تدافع عن حقوقها وأن تثبت الحقوق التي اكتسبتها، مطالبة بسقف أعلى من الحقوق.
المرأة المصرية متواجدة لتحمي الوطن وتبنيه، وفق السيد، وهو ما كان واضحا كذلك في ثورة اليمن والبحرين التي تقودها النساء على الرغم من كل القمع والقهر اللواتي يرينه النساء هناك، إلى جانب ما قامت به نساء ليبيا لمساندة الثورة حيث كنَّ في قلب الثورة  وكذلك المرأة التونسية القوية والمثقفة، العلمانية المتعلمة التي قادت حركة التحرر "فبلا النساء لن تكون هناك ثورة".
وتبين السيد أن النساء لسن على نفس المسافة من المطالب الحقوقية الخاصة بهن كنوع أو جندر فمايزال يقف الكثير من عدم الإنصاف بمعنى الحرية والثقافية ولكن ما حث في الربيع العربي جعل المرأة تدرك قوتها وأن هذه التجمعات جعلتها تدرك أنها محرك فاعل ولكن على الأقل في مصر ما تزال تعاني المرأة من عدم الوعي بالحقوق الشخصية أو النوعية.
نظرة الغرب للمرأة
 في الربيع العربي
ولم يكن تقدير المرأة والإعجاب بدورها في الربيع مقتصرا على النظرة العربية فحسب، حيث أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن المرأة في البحرين لعبت دورا بارزا في المظاهرات التي اندلعت في البحرين مقارنة بقرينتها في الدول المجاورة في ظل مظاهرات بلدان الربيع العربي وأظهرت نشاطا بالغا في الحياة السياسية، معلنة أنها فخورة بما قدمته من عمل سياسي حيوي.
وأشارت الصحيفة إلى أن دور المرأة البحرينية في المظاهرات لم تكن مفاجأة، لأنها شاركت في العمل السياسي منذ وقت طويل وليس فقط في ظل الانتفاضة الأخيرة، حيث إنها ظهرت في التظاهرات الأخيرة أمام مكتب الأمم المتحدة في المنامة، وهن يرتدين عباءات سوداء، وحملن صورا للرجال الذين تعرضوا للتعذيب ويافطات مطالبة بالحصول على الدعم العالمي
وأوضحت الصحيفة أنه بالرغم من الصعوبات التي كانت تواجهها المرأة البحرينية أثناء تعبيرها عن آرائها السياسية والتي وصلت لحد السجن والتعرض للتعذيب، إلا أنها تفخر بالدور السياسى الحيوي التي قامت به.
حقوق المرأة المكتسبة
قامت النساء اليمنيات مؤخرا وفق الكوكباني، بإعداد وثيقة خاصة، طالبت من خلال زيادة مشاركتها في الحياة السياسية حيث تصل مشاركتها إلى 30 % في الحكومات ووضع الدستور، في حين منحها الوفاق الوطني المشاركة في حقيبتين وزاريتين هما الإنسانية والتنمية الاجتماعية.
وتتوقع الكوكباني أن يكون هناك مزيد من الدفاع عن الحقوق وتثبيت تلك الحقوق التي طالبت بها المرأة اليمنية التي خرجت وتحقيقها، مؤكدة أن المرأة اليمنية لن تعود إلى الوراء "أنا لا أطالب بمعركة ولكن أن تسعى المرأة بكل جدية لتحقيق مطالبها والحصول على حقوقها".
وتردف رشيد إلى أن مشاركة المرأة أصبحت بصورة أقوى في الجانب السياسي، إلا أن نزول المرأة في الوقت الحالي إلى الشارع يحمل متغيرا جوهريا في نوعية المطالب وهو شكل تعبير لم نألفه بهذا الكم، خصوصا في ظل الكثافة الشعبية، حيث تعد المرأة جزءا من هذا المشهد السياسي.
في حين تجد الأمين العام للجنة الوطنية لشؤون المرأة أسماء خضر أن قضية المرأة قضية المجتمع، فالمرأة ليست خارج مطالب المجتمع وهي جزء من تفعيله.
فالمرأة لها دور في تحركات الربيع العربي بحسب خضر، حيث رفعت الشعارات التي طالبت بالحرية والكرامة والتعددية وكانت عنوانا للربيع العربي في كل الدول.
وتشير خضر إلى سوء فهم القوى السياسية للمرأة فهناك من يهمشها ولايرى أهميتها، ومنهم من يبقيها ويجدها معزولة وهناك من لا يرى سوى قضية المرأة.
وتضيف خضر أن بناء المجتمع يحتاج إلى جهود المرأة والرجل وإقرار حقوق المرأة ومنحها العدل والإنصاف في حقوقها وقضيتها، منوهة إلى أن النظرة المتوازنة هي التي ترى قضية المرأة قضية المجتمع، فهي معنية بكل قضايا المجتمع باعتبارها إنسانة ومواطنة تحارب البطالة والفساد وتطالب بالمساواة، الحرية والكرامة.
"الثورات لا يمكن ان تسمى ثورات وديمقراطيات دون ان تأخذ المرأة حقها في العدالة والمساواة" وفق خضر التي تقول   عليها أن تتمكن من تقرير مصيرها وتكون متساوية في المواطنة والحقوق والواجبات مع الاخر "الرجل"، فأي عدالة تلك التي لا تؤدي بالمرأة الى حق الحياة الكريمة وأي ديمقراطية تقوم على اساس نفي نصف مجتمع بأكمله؟!
من جانبه يوضح اختصاصي علم الاجتماع الاستاذ المشارك في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين، أن الفعل الحقوقي المرتبط بالإنسان ليس مقتصرا على نوع اجتماعي بعينه وبالتالي يظهر جليا مشاركة المرأة بنسب متفاوتة في الربيع العربي.
ويعد محادين حضور المرأة اليمنية لافتا ومتكررا بالرغم من الظروف الصعبة التي تعيشها وهي تطالب بالإصلاحات المختلفة، إلى جانب ما تم مشاهدته بميدان التحرير من عيش نوعي بين الرجال والنساء تحت مظلة الإصلاح والتغيير، فكانت المرأة بختلف مستوياتها العلمية مشاركة في حين لم يكن المشهد واضحا في ليبيا.
أما في تونس فيشير محادين إلى مشاركة المرأة التونسية استنادا إلى ما تتمتع به تاريخيا هناك من حضور سياسي ومشاركة في العمل العام.
أما على الساحة الأردنية فقد بقي عدد من الأسماء، بحسب محادين، المكرسة حاضرة في الحديث الإعلامي غالبا أكثر مما هو ميداني أي في الساحات والاعتصامات.
وينوه محادين إلى ظهور أجيال شابة من الفتيات اللواتي ظهرن ظهورا متكررا في الميدان والإعلام معا وهنا يظهر السؤال الخلافي: هل هناك حضور لمؤسسات المجتمع المدني في الاعتصامات أم أن اللواتي اعتصمن مثلن تيارا نسائيا مستقلا خارج تلك المؤسسات؟
ويتابع محادين أن مرور عام على الاعتصامات السلمية كفيل بإعطائنا بعض المؤشرات لمثل هذا الاستنتاج، لافتا إلى أن المرأة الأردنية كانت متوازنة الحضور في هذه الاعتصامات بين عناوين مطلبية معروفة من قبل وبين شعارات إصلاحية ذات منسوب مرتفع ومتسارع لدى بعضهن.
"نوبل" تكريم حقيقي لامرأة الربيع
واستطاع الربيع العربي أن يلقي بثماره على المرأة الثائرة ويتوج الفخر بها على ما قدمته من مواقف مشرفة خلال الثورات، حين فازت الناشطة السياسية توكل كرمان بجائزة نوبل للسلام لدورها الكبير في النضال السلمي باليمن.
وجاءت هذه الجائزة لتؤكد للعالم أجمع أن المرأة العربية ساهمت في صقل الربيع العربي وإعلاء الجانب الاجتماعي والإنساني منه، ليكون الربيع العربي بذلك قد أسهم في إعادة تأهيل المرأة لتأخذ دورها الحقيقي في التنمية والتطور والتقدم.
وكان للربيع العربي إسقاطاته الإيجابية على العديد من الدول المحيطة به، وقد استطاعت المرأة العربية أن ترفع صوتها وتبدي رأيها في دول كست المرأة بالسواد وأغلقت عليها الباب، إذ يعتبر إصدار العاهل السعودي قرارين تاريخين  يقضيان باستحقاق دخول المرأة السعودية مجلس الشورى عضوا بداية من الدورة المقبلة للمجلس، ومنح المرأة حق الترشيح والانتخاب في المجالس البلدية من الدورة المقبلة نقلة نوعية كبيرة في بلد حرم على المرأة قيادة السيارة.

Powered by Blogger | Big News Times Theme by Basnetg Templates

Blog Archive