"خردة عتيقة" تتحول لبضاعة ثمينة مربحة
جرش نت - يجوب صالح حطاب (33 عاما) بسيارته "البيك اب"، شوارع مدينة الزرقاء، مناديا بأعلى صوته "ياللي عنده خردة عتيقة للبيع".
بهذه العبارة يلتقط الأدوات والمواد غير الصالحة، ويشتريها من المواطنين بثمن رخيص، ويعيد تصليحها وتأهيلها، ومن ثم يبيعها بسعر يفوق أضعاف ما اشتراها به.
وتعلم حطاب عملية شراء البضائع بأقل الأسعار، وأحيانا من دون مقابل مادي، وساعدته خبرته للتمييز بين ما هو جيد ورديء، ولا يخفى عليه شيء في عملية البيع والشراء، واكتساب مهارة فن التفاوض، حتى أصبح يعرف البضاعة التي سيشتريها، والقطع الفائضة عن حاجة الناس.
وتطورت معه الأمور، ليشتري قطع السيارات مثل بطارية السيارة، فكل قطعة خردة لها ثمن، كما يقول، حيث يقوم أحيانا ببيع بعض الأجهزة بطريقة مباشرة إلى المحلات التجارية، مثل الغسالات القديمة غير صالحة للاستخدام، ليستفيدوا من قطعها في عملية التصليح، أو إذا لم تكن بحاجة للتصليح ليتم بيعها إلى الزبائن بسعر أفضل.
"الخردة عالم واسع وتجارة ليس لها حدود"، يقول الخمسيني أبو صالح الذي يتنقل بسيارته المتوسطة، ليجمع مخلفات المنازل، سواء من الأجهزة الكهربائية التالفة، أو الصناديق البلاستيكية بمختلف أشكالها وأحجامها وقطع الحديد.
ولا يخجل أبو صالح من مهنته، لأنه يعتبرها أفضل من الجلوس في المنزل، أو أن يجوب الشوارع لاستجداء الناس، وقد أصبحت اليوم مهنة تقوم على تحويل سلعة معدومة القيمة لصالحبها، إلى سلعة بقيمة عالية، كما يقول، لافتا إلى أنه يقوم ببيعها إلى تجار خردة، والذين بدورهم يبيعونها لمصانع تدوير البلاستيك أو الحديد التي تطحنها جميعا وتحولها لسلعة جديدة.
ويختلف الوضع لدى الأربعيني أبو سهيل، الذي ورث المهنة منذ أكثر من 25 عاما عن أبيه، فعمل على تطوير محله الصغير، ليصبح له عدد من المحال المتخصصة في بيع وشراء الأثاث والخردة، وبيع الأجهزة الكهربائية.
ويقول إن مشروع الأثاث والخردة يختلف عن أي مشروع آخر، فهو ليس محلا وبضاعة تباع فقط، وإنما مهارة تاجر، ورزق من عند الله، بخاصة عند عملية الشراء والبيع، مشيرا إلى أنها تحتاج لمحلات فيها مخزن كبير، وعمال يجوبون الشوارع بحثا عن الخردة، وآخرون يقومون بفرزها وبيعها في الأسواق".
ومن خبرته في هذه المهنة، يجد أبو سهيل أن هناك طلبا على قطع الأثاث وغرف النوم، والمناضد والكراسي، التي يطلبها تجار بيع الأثاث القديم، "أصبح لدينا معرفة بالتجار الذين نتعامل معهم، وبمجرد وصول قطعة الأثاث ننقلها إلى أحدهم".
أما خردة السيارات فزبونها ميكانيكي السيارات، وفقا لما يقول أبو سهيل الذي يبين أن هذه البضاعة يمكن أن تجد زبونها بعد شرائها بلحظات، وقد تظل حتى يتم جمع كميات كبيرة منها، لتباع للمصانع التي تشتريها وتعيد تدويرها.
ويفضل الستيني أبو فهد شراء الأثاث المستعمل عن الجديد نظرا لرخص سعره، مشيرا إلى أن بعضه بحالة جيدة، كما أنه يستطيع تمييزه ليختار النوعية الجيدة، مخصصا بعض المواد مثل أطقم الكنب القديمة التي يعتبرها أفضل نوعية من المصنعه حديثا.
وتبيع ربة المنزل أم جمال (45 عاما)، ما تريد ان تتخلص منه أثاث تالف، للباعة المتجولين، معتبرة أن عملية البيع والشراء مفيدة جدا، لأنها تتخلص من الفائض والكراكيب في منزلها، ولو ببيعها بسعر زهيد جدا، وأحيانا بدون مال، لأنها تعتبرها صدقة جارية.
وتكشف الستينية الحاجة أم سعد، أن الباعة الذين يتجولون في الحارات لديهم الخبرة الكافية في معرفة الزبون، إن كان يريد البيع أم لا، وبناء على ذلك يضع سعره، حيث يقلل في كثير من الأحيان من أسعار الشراء، وعلى العكس عندما يريد أن يبيع بضاعته.
ويشبه الخبير الاقتصادي حسام عايش بيع وشراء الأثاث المستعمل والخرداوات بأنها جزء من اقتصاد الظل، وهي عملية ايجابية، حيث يحاول الباعة المتجولون استغلال الفائض عن حاجة الناس من خلال شراء قطع الأثاث والخردة أو جمعها من النفايات، ومن ثم بيعها للمحلات والمصانع.
وتفتح عمليات البيع، وفق عايش، فرصا للعمل في الكثير من المناطق، بمساعدة مواطنين لديهم أثاث قديم ومستخدم، حيث يستعيدون ثمنا قليلا من كلفته، وأحيانا بدون مقابل عند القائه أمام الحاويات.
ويبين أن البعض يستغل الباعة من خلال عرض أسعار منخفضة لأثاث يستحق سعرا أفضل، فيقوم الطرف المشتري ببيعها بسعر جيد جدا، وهذا الأمر يتم باتفاق الطرفين، ولكن لرغبة البائع أو حاجته للتخلص من الأثاث.
ويوضح أن بعض التجار يقومون بتركيب القطع على بعضها وتصليح التالف منها، وبيعها بسعر جيد للمواطنين ميسوري الحال، مشيرا إلى وجود بضاعة غير صالحة، حيث تظهر عيوبها بعد عملية الشراء، مثل الأجهزة الكهربائية وغيرها.
ويلفت عايش إلى ضرورة أن تكون عملية التدوير بطرقها الصحية وأن تؤدي الفائدة المرجوة منها، حيث يمكن لمؤسسات المجتمع المدني التعامل معها، لايجاد مشاريع تعمل عل