تسونامي المنتجات الصينية الرديئة يجتاح الاسواق الاردنية!
جرش--نت
”يا عمي توكل على الله، ما هي كل البلد صيني”. كانت تلك هي الجملة التي استخدمها التاجر لاقناع الموظف الحكومي البسيط أيمن بشراء فيش الكهرباء الذي تسبب بعد يومين بحريق أتى على بيته!
ويقسم ايمن كمن يلتمس لنفسه عذرا في جريمة اقترفها بغير قصد، انه جال على كل اكثر من عشر محلات لبيع القطع الكهربائية في الزرقاء محاولا العثور على فيش لا يكون صيني المنشأ، ولكن عبثا.
ويقول “والله اني تعبت يومها من البحث في المحلات دون جدوى، وعندما وصلت اخر محل كان اليأس قد تملكني، ولم يكن امر اقناعي يتطلب اكثر من تلك الجملة المنحوسة التي قالها لي التاجر”.
وبحسب ما يخبرنا ايمن (45 عاما) وهو من سكان الجبل الابيض في الزرقاء، فقد ابلغه ضابط الدفاع المدني ان الحريق الذي اندلع في بيته كان ناجما عن تماس كهربائي مصدره فيش التلفزيون.
وما حصل هو ان الفيش الذي اشتراه لم يتحمل الجهد الكهربائي فاحترق وسقطت اجزاء البلاستيك الذائبة منه على السجاد، فاشعلته، ولم يطل الامر حتى كانت السنة اللهب تصل الى ستارة قريبة نشرت الحريق الى كافة ارجاء المنزل.
يقول ايمن “لا ادري، هل اقول انه من حسن الحظ ام من سوء الحظ، انني وعائلتي كنا يومها خارج المنزل لحضور حفل زفاف قريب لنا”.
هل يمكن ان يدعي ايمن على البائع بالاضرار؟ حتما لا. فهو اشترى الفيش دون اية ضمانات، وحتى لو كانت هناك ضمانة، فالتاجر سيتلمص بحجج منها ان الفيش قد تعرض لسوء تركيب او استخدام او اية حجج اخرى وما اكثرها. وفي المحصلة، فان ايمن، وكما يقول المثل “لن ينال حقا ولا باطلا”.
ضحايا بالجملة
ليس هذا الموظف البسيط اول ولا اخر من سيقع ضحية لما لا يحصى من المنتجات الصينية الرديئة والمغشوشة والمقلدة التي تكتسح اسواق المملكة، دون ادنى تحرك رسمي لحماية الناس من المخاطر التي تنطوي عليها والتي قد يكون بعضها قاتلا.
فهذه مثلا ربة المنزل ام فراس، وهي للصدفة من سكان الجبل الابيض ايضا، لها تجربة مع طنجرة ضغط صينية اشترتها بعدما ”استرخصت” ثمنها البالغ عشرة دنانير فقط. ولكنها انفجرت مع اول طبخة وهشمت معظم محتويات المطبخ.
وتقول ام فراس التي كانت حينها في غرفة المعيشة تجري مكالمة هاتفية مع زوجها في العمل “الله سلم..وبالمال ولا بالعيال”.
وتضيف “في اليوم التالي توجهت وانا غاضبة الى البائع الذي اتضح انه كان متمرسا في طريقة التعامل مع الزبائن ممن تقع لهم حوادث مماثلة بسبب بضاعته الرديئة.
وتتابع “لقد رفض رد نقودي واتهمني بانني تركت الطنجرة على النار وقتا اطول من المسموح حسب التعليمات المرفقة مع ورقة الضمان”!
قصة اخرى يرويها طالب الجامعة احمد فوزي الذي تلفت وحدة التبريد في حاسوبه، و”استرخص” هو الاخر وحدة صينية بديلة من احد محلات بيع اجهزة ومستلزمات الحواسيب.
يقول احمد “كان ثمن وحدة التبريد الجديدة نصف ثمن الاصلية. وقد عملت بشكل جيد مدة اربع ساعات تقريبا، ولكنها توقفت بعدها، الامر الذي تسبب في ارتفاع حرارة حاسوبي واحتراق الهارديسك”.
وللسخرية، يحدثنا صاحب محل لبيع مواد البناء عن كارثة اوشكت ان تحل ببيته بسبب احد منظمات الغاز الصينية التي يبيعها، والتي كانت لا تزال على رفوف محله وهو يتحدث معنا.
يقول التاجر الذي فضل عدم ذكر اسمه “بعد نحو نصف ساعة من تركيب المنظم على اسطوانة غاز الطبخ، انتبهنا الى وجود رائحة غاز قوية، وعندما استوضحت الامر وجدت ان المنظم كان معطوبا”.
وبرر استمراره في بيع هذه المنظمات رغم معرفته بعيوبها قائلا ان “الناس لا تريد الاصلي، فثمنه مرتفع جدا، وان انا عرضت الاصلي فلن يشتريه احد.. الزبائن يطلبون الصيني الرخيص وهم يعرفون انه ردئ ولا يعمر”.
وحسب ما يخبرنا البائع، فان قرابة 70 بالمئة من المنتجات المعروضة في محله هي صينية المنشأ. غير انه قال مستدركا “طبعا مش كل الصيني سئ، فهناك بضاعة صينية نخب اول ولا غبار عليها”.
اكتساح وهيمنة
طبعا المنتجات الصينية التي اكتسحت اسواق الاردن تشمل كل شئ تقريبا: الكترونيات، كهربائيات، ادوات صحية، ادوية، العاب، مواد غذائية، وحتى سجادة الصلاة والسبحة، وكل ما يمكن ان يخطر او لا يخطر على البال.
وقد شكلت هذه المنتجات باسعارها الرخيصة عامل طرد للمنتجات الاخرى، سواء كانت مستوردة او ذات منشأ محلي، والتي لم تعد قادرة على المنافسة، وهكذا خلا السوق للصين فهيمنت عليه، او تكاد.
وبالنتيجة، لم يعد امام المواطن الا ان يسلم بالامر الواقع وان يستخدم طوعا او مرغما هذه المنتجات التي اخذت الان تتبارى في ما بينها في الرداءة ورخص السعر، حتى ان بعضها مما كان يباع بالقطعة، كالساعات مثلا، اصبح يباع بالكيلو..!.
صحيح ان لدينا في الاردن مؤسسة مواصفات ومقاييس وجهات رقابية اخرى معنية بما يدخل ويتم تداوله من سلع استهلاكية، ولكن يبدو ان هذه الجهات عاجزة عن ضبط الامور، ولو في حدها الادنى.
والسبب هو ان الاتفاقات المبرمة مع الصين سواء بشكل ثنائي او ضمن المنظومات التجارية الدولية، تلزم الاردن بادخال المنتجات الصينية ما دامت مترافقة مع شهادات منشأ وشهادات مطابقة مواصفات ومقاييس واذونات وفواتير مصنع.
وتبعا لذلك، فان دور الجهات الرقابية يبدأ بشكل حقيقي بعد ان تكون المنتجات قد دخلت الى البلاد. ولكن هيهات، فالمهمة صعبة جدا في ظل الحجم الهائل للمستوردات من الصين والذي يقدر بنحو مليار ونصف المليار دولار سنويا!.
وهذا الرقم مرشح للنمو في ظل المنافسة المحتدمة على الاستيراد من الصين سواء من قبل الشركات او الافراد الذين تغريهم الارباح الهائلة التي يحققونها من وراء جلب البضائع باسعار زهيدة وبيعها باضعاف سعرها في الاردن.
كما يعزز المنافسة بروز مئات الشركات المتخصصة في تسهيل الصفقات بدءا من ترتيبات سفر الشخص الراغب في احضار البضاعة، مرورا باقامته في الصين ولقائه المنتجين واتفاقه معهم وحتى ايصال البضاعة الى الاردن.
سامي، شاب طموح يملك محلا لبيع الهواتف الخلوية ومستلزماتها، وقبل عامين قرر ان يستورد من الصين لحسابه الخاص، وهذا ما حصل، وهو الان يحقق ربحا لم يكن يتخيله، سواء من خلال البيع بالتجزئة او بالجملة لجيرانه من اصحاب المحال المماثلة.
وكما يخبرنا سامي، فهو يسافر كل شهرين تقريبا إلى الصين ويمكث 15 يوما، يبرم خلالها عقودا مع المصانع لاستيراد منتجاتها.
هذا الشاب يؤكد لنا ان بضاعته “نخب اول” بمعنى ان جودتها عالية، وهو في نفس الوقت يحمل بشدة على مستوردين اخرين لا يهمهم سوى الحصول على المنتج بارخص سعر بهدف تحقيق اكبر ربح بصرف النظر عن الجودة.
ويقول ” البعض يتوجه الي الصين بغرض التجارة باحثا عن اقل سعر بغض النظر عن مستوي الجودة. والصينيون بطبعهم يقبلون تصنيع المنتج حسب احتياجات العميل وحسب التكلفة التي يريدها. وهنا تكمن المشكلة حيث ان المنتج واحد و له مئات الاسعار مع الفارق في الجودة بالطبع”.
اجراس انذار
السعي وراء الربح بصرف النظر عن الجودة كان سببا في دخول مواد خطرة جدا في عمليات تصنيع العديد من المنتجات الصينية.، لا لشئ سوى لرخصها، وما يستتبع ذلك من تقليل كلفة الانتاج بهدف تحقيق اكبر حجم من الارباح.
وهناك عشرات المنتجات التي جرى سحبها من اسواق دول عربية وغربية بسبب استخدامها مدخلات انتاج قاتلة. ولعل في ذلك ما يطلق جرس انذار للجهات المعنية في الاردن لتشديد رقابتها على ما ياتينا من الصين.
فمثلا، أعلنت الحكومة السعودية العام الماضي عن سحب 7 أنواع من معاجين الأسنان الصينية من السوق بعدما تبين احتواؤها على مواد كيماوية سامة.
وقبل ذلك سحبت الدول الخليجية منتجات صويا مصنوعة في الصين لاحتوائها على نسب عالية من مادة مسببة للسرطان.
والعام الماضي ايضا قررت شركة ماتيل الاميركية سحب ملايين لعب الاطفال التي تصنعها في الصين بسبب خطرها على صحة الاطفال لاحتوائها على مواد سامة.
كما سحبت السلطات الأمريكية 450 ألف إطار من صنع الصين بعدما ثبت أنها تفتقر إلى أحد مكونات السلامة التي تمنع تمزق عجلات السيارة أثناء السير. كما رصدت كميات من الطحين الممزوج بمادة الميلامين الذي تم تقديمه إلى المستهلكين على أنه بروتين.
والجميع لا يزال يذكر الى الان الصدمة التي احدثها اكتشاف الميلامين السام في حليب اطفال مصنع في الصين.
وللاسف، فانه بالمقارنة مع الاسواق المتقدمة لا تتوفر في الدول العربية قوائم وتقارير عن المنتجات غير الآمنة والتي يفترض سحبها ومنعها من الأسواق.
حماية المستهلك
ومن جهتها، فقد اكدت الجمعية الوطنية لحماية المستهلك تزايد شكاوى المواطنين من عمليات الاغراق التي تتعرض لها الاسواق من البضائع والمنتجات المزورة والمقلدة او تلك المخالفة للمواصفات والمقاييس الاردنية.
وقال رئيس الجمعية محمد عبيدات في تصريحات صحفية ان مشكلة القطع المقلدة باتت ظاهرة عالمية تعاني منها جميع دول العالم والشركات العالمية ولابد من تعاون جميع اجهزة الدولة للقضاء عليها والحد منها.
واضاف ان الاستمرار في استيراد السلع الرديئة واغراق الاسواق المحلية بها دون رقابة صارمة يعتبر خسارة ليس فقط على المستهلكين وانما على الاقتصاد الوطني بشكل عام ، لما تشكله مثل هذه الظاهرة من عملية استنزاف للموارد المحلية.
واشار الى انه لا يكاد يمر يوم دون تلقي الجمعية شكوى من احد المواطنين تشير الى وقوعه ضحية سلعة مقلدة او مخالفة للمواصفات، مؤكدا ان مثل هذا الامر يجب معالجته وعدم السكوت عليه حيث انه بات من الضروري بحثه من جميع جوانبه ووضع اليد على الثغرات التي يقوم التجار باستغلالها وادخال مثل هذه السلع الرديئة للسوق المحلي،
ودعا الى بذل كافة الجهود في سبيل عدم ترك المواطن يقع ضحية غش وخداع فئة قليلة من اصحاب النفوس المريضة.
وقال عبيدات ان بعض هذه السلع المقلدة والرديئة من الممكن ان تعرض حياة المستهلكين للخطر ، وبالتالي لا بد من وضع الحلول السريعة للحيلولة دون وقوع المحذور ولا سيما فيما يتعلق بمستلزمات التوصيلات الكهربائية التي تسببت في كثير من الحرائق المنزلية ، والخسائر في الارواح.