الأردن يصعّد لهجته ضد دمشق ويفك ارتباطه بالأسد
يتغير الموقف الأردني من الأحداث الجارية في سورية فجأة، ليكشف أن ثمة تحت الرماد نارا يمكن لها أن تعلو، وتعلي معها الموقف الرسمي إلى آفاق جديدة.
الأردن يطالب بـ'وقف العنف فوراً والبدء بتنفيذ الإصلاحات والاحتكام إلى منطق الحوار'. تلك الرسالة أوصلها رئيس الوزراء د. معروف البخيت إلى نظيره السوري عادل سفر، خلال اتصال هاتفي أجراه معه الاثنين، أو على الأقل هكذا يصرح إعلام رئاسة الوزراء.
الخبر 'المقتضب' الذي بثته وكالة الأنباء الأردنية الرسمية 'بترا'، قال إن البخيت عبر عن 'مشاعر الرفض والأسف لدى الحكومة الاردنية تجاه استمرار القتل وحالة التصعيد'.
وفي صيغة أقل وضوحا، يشير البخيت إلى 'تنامي الغضب العالمي، شعوباً وحكومات، وتبلور حالة من شبه الإجماع الدولي في رفض استمرار هذه المشاهد وضرورة وقفها فورا، والانتقال الى ما هو أفضل لسورية وللشعب السوري الشقيق'. ويضيف 'الأمل ما يزال قائماً على قدرة الأشقاء في سورية على تحقيق هذه الغاية'.
طالب البخيت كذلك بـ'سرعة وقف العمليات العسكرية وحقن الدماء وتنفيذ الإصلاحات السياسية المطلوبة، للحفاظ على سلامة الشعب السوري الشقيق وعلى أمن سورية واستقرارها ووحدة أراضيها'. وأوضح 'إننا في الأردن ننتظر اتخاذ إجراءات ملموسة وعاجلة، في الفترة القريبة المقبلة'.
صيغة مثل هذه لم تكن قائمة في الخطاب الأردني إلى ما قبل أيام، حتى عندما جنحت السعودية، ومعها دول خليجية أخرى، إلى خطوات تصعيدية أخرى تمثلت في سحب السفراء من دمشق لـ'التشاور'، وانتقاد عنف النظام تجاه المتظاهرين.. فرغم كل ذلك، ظل الأردن 'متمسكا' بحالة 'اللاموقف'، وبالتأكيد كان يَزِن الأمور، ولا يخرج بشيء دائما.
قرار اتخاذ الأردن تصعيد لهجته تجاه سورية لم يكن قرارا سهلا، خصوصا بعد توصيات 'الحلقة المغلقة' التي أقيمت في مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية وحضرها خبراء سياسيون ووزراء، والتي درست سيناريوهات الأحداث في سورية، وتداعيات ذلك إقليميا وعلى العلاقة مع الأردن. وهي التي خرجت بحقيقة 'صعوبة اتخاذ الأردن مواقف حاسمة من الانتفاضة الشعبية أو النظام في سورية'، بسبب 'صعوبة التنبؤ بالأحداث والتطورات، ولوجود مصالح أردنية حيوية يصعب التضحية بها برهانات غير مضمونة'.
الموقف الأردني 'الجديد' يمكن قراءته في جملة من الأسباب، ضغطت على عمان، لتجد نفسها بالتالي أمام ضرورة تغيير لهجتها تجاه دمشق، وفك الارتباط مع نظام بشار الأسد، والذي بدا جليا لها أنه نظام يغرق تدريجيا، ولا يمكن له التشبث بطوق النجاة طويلا.
يتمثل أول تلك الأسباب في محاولة نظام بشار الأسد تصدير الأزمة إلى الداخل الأردني، باتهامه الدولة الأردنية بـ'تمويل الجماعات الإرهابية وتسليحها وتسهيل دخولها إلى سورية'، فضلا عن اتهامه الأجهزة الأردنية الرسمية بالوقوف وراء الحراك الشعبي الذي ينظّم وقفات احتجاجية دورية أمام السفارة السورية في عمان للمطالبة بطرد السفير بهجت سليمان، وهاتفا بـ'إسقاط نظام الأسد'.
عمان تعاملت مع هذه الاتهامات بجدية شديدة، خصوصا مع علمها أن النظام السوري يمتلك 'أوراق لعب' لا بأس بها في الداخل الأردني، وهي 'أوراق' استعرضها الكاتب الصحافي في جريدة الدستور ماهر أبو طير تحت عنوان 'عملاء المخابرات السورية في الأردن'، متهما جهات بأنها 'تشتغل على خط عمان دمشق'، وأن لها 'صلات أمنية وسياسية مع النظام السوري'، و'تتلقى دفعات مالية، وتتعاون مع المخابرات السورية'.
الاتهامات السورية اضطرت مدير المخابرات العامة الفريق محمد الرقاد إلى أن يقوم بزيارة سرية إلى دمشق، للتأكيد للسوريين أن مسألة 'تمويل الجماعات الإرهابية وتسليحها وتسهيل دخولها إلى سورية'، هي مجرد 'نكات' لا مكان لها في العلاقة بين البلدين، والتأكيد كذلك على أن ما يحدث في عمان هو مجرد 'حراك شعبي' لا تقف وراءه أي جهة رسمية، نافيا بالتالي أي 'يد أردنية رسمية' في حراكهم الداخلي.
لكن النظام السوري لم يكن راغبا في تصديق مثل هذه التأكيدات، وهو الذي بنى 'أطروحته المؤامراتية' على مبدأ 'الأيدي الخفية التي تحاول تدنيس الاستقرار السوري'.
قرأت عمان الإصرار السوري على تبنى 'نظرية المؤامرة الأردنية' على أنه 'محاولة أخيرة ويائسة' من نظام الأسد لتصدير أزمته عبر 'متعاونين' و'متعاطفين' يقيمون في الأردن، لكنها لم تستطع حسم أمر وقوفها مع طرف ضد آخر؛ النظام أو الثورة.
غير أن المعطى الثاني في المعادلة أرّق عمان كثيرا، وهو التقارير الاستخباراتية التي تم تسريبها إلى وسائل إعلام عالمية، والتي كشفت عن أن إيران تعمل جاهدة، وبكل ثمن، للحيلولة دون سقوط نظام الأسد، ما جعلها تسارع إلى إطلاق بناء قاعدة عسكرية عالية التجهيز في مدينة اللاذقية السورية لتكون قريبة من النظام، ودعامة أساسية في تثبيت بقائه، وهو الوجود غير المرحب به، وغير المرغوب به من قبل عمان.
هذا الأمر أقلق الدولة الأردنية كثيرا، فهي بالتالي لا تريد تعقيدات في المنطقة أكثر مما هي عليه، خصوصا مع علمها أن هناك نسبة ما من الأردنيين ما يزالون مصرين على 'شراء' بضاعة 'المقاومة والممانعة المستهلكة' التي تصر طهران ودمشق على المتاجرة بها.
ولعل الأمر الثالث يكمن في خشية أردنية حقيقية من أن يؤدي القمع الوحشي لقوات النظام والشبيحة من نزوح سوري كبير إلى الأراضي الأردنية، ومن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين هناك، خصوصا بعد أن بدأت قوات النظام السوري باستهداف تلك المخيمات بدءا بمخيم 'الرمل' في مدينة اللاذقية الساحلية، وتشريد أكثر من 5 آلاف لاجئ فلسطيني، وهو الأمر الذي يجعل عمان تنظر بخطورة إلى الوضع القائم في سورية، والذي من الممكن أن يشكل عبئا إضافيا على الدولة الأردنية.
لكن أمرا رابعا، أضافته عمان إلى 'مربع الحسابات الجارية' في اتخاذها موقفا جديدا من نظام دمشق، وهو القراءة الإقليمية والعالمية لمستقبل النظام السوري، والتي تتضح بأنها غير متفائلة كثيرا بقدرته على الصمود في وجه الثورة الشعبية العارمة، خصوصا مع 'تصلب' الموقف السعودي تجاه دمشق، وما تبعه من مواقف لدول خليجية أخرى، صعّدت لهجتها تجاه دمشق، مطالبة إياها بـ'وقف نزيف الدم السوري'.
تلك الحسابات جميعها؛ رابحها وخاسرها، دفعت إلى الأمام بعمان إلى ضرورة اتخاذ موقف مغاير لما بدر منها تجاه الثورة السورية حتى اليوم، وهو الموقف الذي ظهر في 'الاتصال الهاتفي' بين رئيسي وزراء البلدين.
الحالة اليوم تتلخص في 'اتهامات سورية' و'تصعيد للهجة الأردنية'، غير أن مراقبين يؤكدون أن عمان لم تلعب بعد بأي أوراق على الساحة السورية، وهي التي تمتلك منها الكثير، فهل ستكشف الأسابيع المقبلة عن 'لعبة أخرى بين عمان ودمشق'، مثل استثمار الأطراف المعارضة السورية في عمان من قبل الأردنيين، واستثمار القوى المعارضة الموالية لدمشق في عمان من قبل السوريين
الأردن يطالب بـ'وقف العنف فوراً والبدء بتنفيذ الإصلاحات والاحتكام إلى منطق الحوار'. تلك الرسالة أوصلها رئيس الوزراء د. معروف البخيت إلى نظيره السوري عادل سفر، خلال اتصال هاتفي أجراه معه الاثنين، أو على الأقل هكذا يصرح إعلام رئاسة الوزراء.
الخبر 'المقتضب' الذي بثته وكالة الأنباء الأردنية الرسمية 'بترا'، قال إن البخيت عبر عن 'مشاعر الرفض والأسف لدى الحكومة الاردنية تجاه استمرار القتل وحالة التصعيد'.
وفي صيغة أقل وضوحا، يشير البخيت إلى 'تنامي الغضب العالمي، شعوباً وحكومات، وتبلور حالة من شبه الإجماع الدولي في رفض استمرار هذه المشاهد وضرورة وقفها فورا، والانتقال الى ما هو أفضل لسورية وللشعب السوري الشقيق'. ويضيف 'الأمل ما يزال قائماً على قدرة الأشقاء في سورية على تحقيق هذه الغاية'.
طالب البخيت كذلك بـ'سرعة وقف العمليات العسكرية وحقن الدماء وتنفيذ الإصلاحات السياسية المطلوبة، للحفاظ على سلامة الشعب السوري الشقيق وعلى أمن سورية واستقرارها ووحدة أراضيها'. وأوضح 'إننا في الأردن ننتظر اتخاذ إجراءات ملموسة وعاجلة، في الفترة القريبة المقبلة'.
صيغة مثل هذه لم تكن قائمة في الخطاب الأردني إلى ما قبل أيام، حتى عندما جنحت السعودية، ومعها دول خليجية أخرى، إلى خطوات تصعيدية أخرى تمثلت في سحب السفراء من دمشق لـ'التشاور'، وانتقاد عنف النظام تجاه المتظاهرين.. فرغم كل ذلك، ظل الأردن 'متمسكا' بحالة 'اللاموقف'، وبالتأكيد كان يَزِن الأمور، ولا يخرج بشيء دائما.
قرار اتخاذ الأردن تصعيد لهجته تجاه سورية لم يكن قرارا سهلا، خصوصا بعد توصيات 'الحلقة المغلقة' التي أقيمت في مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية وحضرها خبراء سياسيون ووزراء، والتي درست سيناريوهات الأحداث في سورية، وتداعيات ذلك إقليميا وعلى العلاقة مع الأردن. وهي التي خرجت بحقيقة 'صعوبة اتخاذ الأردن مواقف حاسمة من الانتفاضة الشعبية أو النظام في سورية'، بسبب 'صعوبة التنبؤ بالأحداث والتطورات، ولوجود مصالح أردنية حيوية يصعب التضحية بها برهانات غير مضمونة'.
الموقف الأردني 'الجديد' يمكن قراءته في جملة من الأسباب، ضغطت على عمان، لتجد نفسها بالتالي أمام ضرورة تغيير لهجتها تجاه دمشق، وفك الارتباط مع نظام بشار الأسد، والذي بدا جليا لها أنه نظام يغرق تدريجيا، ولا يمكن له التشبث بطوق النجاة طويلا.
يتمثل أول تلك الأسباب في محاولة نظام بشار الأسد تصدير الأزمة إلى الداخل الأردني، باتهامه الدولة الأردنية بـ'تمويل الجماعات الإرهابية وتسليحها وتسهيل دخولها إلى سورية'، فضلا عن اتهامه الأجهزة الأردنية الرسمية بالوقوف وراء الحراك الشعبي الذي ينظّم وقفات احتجاجية دورية أمام السفارة السورية في عمان للمطالبة بطرد السفير بهجت سليمان، وهاتفا بـ'إسقاط نظام الأسد'.
عمان تعاملت مع هذه الاتهامات بجدية شديدة، خصوصا مع علمها أن النظام السوري يمتلك 'أوراق لعب' لا بأس بها في الداخل الأردني، وهي 'أوراق' استعرضها الكاتب الصحافي في جريدة الدستور ماهر أبو طير تحت عنوان 'عملاء المخابرات السورية في الأردن'، متهما جهات بأنها 'تشتغل على خط عمان دمشق'، وأن لها 'صلات أمنية وسياسية مع النظام السوري'، و'تتلقى دفعات مالية، وتتعاون مع المخابرات السورية'.
الاتهامات السورية اضطرت مدير المخابرات العامة الفريق محمد الرقاد إلى أن يقوم بزيارة سرية إلى دمشق، للتأكيد للسوريين أن مسألة 'تمويل الجماعات الإرهابية وتسليحها وتسهيل دخولها إلى سورية'، هي مجرد 'نكات' لا مكان لها في العلاقة بين البلدين، والتأكيد كذلك على أن ما يحدث في عمان هو مجرد 'حراك شعبي' لا تقف وراءه أي جهة رسمية، نافيا بالتالي أي 'يد أردنية رسمية' في حراكهم الداخلي.
لكن النظام السوري لم يكن راغبا في تصديق مثل هذه التأكيدات، وهو الذي بنى 'أطروحته المؤامراتية' على مبدأ 'الأيدي الخفية التي تحاول تدنيس الاستقرار السوري'.
قرأت عمان الإصرار السوري على تبنى 'نظرية المؤامرة الأردنية' على أنه 'محاولة أخيرة ويائسة' من نظام الأسد لتصدير أزمته عبر 'متعاونين' و'متعاطفين' يقيمون في الأردن، لكنها لم تستطع حسم أمر وقوفها مع طرف ضد آخر؛ النظام أو الثورة.
غير أن المعطى الثاني في المعادلة أرّق عمان كثيرا، وهو التقارير الاستخباراتية التي تم تسريبها إلى وسائل إعلام عالمية، والتي كشفت عن أن إيران تعمل جاهدة، وبكل ثمن، للحيلولة دون سقوط نظام الأسد، ما جعلها تسارع إلى إطلاق بناء قاعدة عسكرية عالية التجهيز في مدينة اللاذقية السورية لتكون قريبة من النظام، ودعامة أساسية في تثبيت بقائه، وهو الوجود غير المرحب به، وغير المرغوب به من قبل عمان.
هذا الأمر أقلق الدولة الأردنية كثيرا، فهي بالتالي لا تريد تعقيدات في المنطقة أكثر مما هي عليه، خصوصا مع علمها أن هناك نسبة ما من الأردنيين ما يزالون مصرين على 'شراء' بضاعة 'المقاومة والممانعة المستهلكة' التي تصر طهران ودمشق على المتاجرة بها.
ولعل الأمر الثالث يكمن في خشية أردنية حقيقية من أن يؤدي القمع الوحشي لقوات النظام والشبيحة من نزوح سوري كبير إلى الأراضي الأردنية، ومن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين هناك، خصوصا بعد أن بدأت قوات النظام السوري باستهداف تلك المخيمات بدءا بمخيم 'الرمل' في مدينة اللاذقية الساحلية، وتشريد أكثر من 5 آلاف لاجئ فلسطيني، وهو الأمر الذي يجعل عمان تنظر بخطورة إلى الوضع القائم في سورية، والذي من الممكن أن يشكل عبئا إضافيا على الدولة الأردنية.
لكن أمرا رابعا، أضافته عمان إلى 'مربع الحسابات الجارية' في اتخاذها موقفا جديدا من نظام دمشق، وهو القراءة الإقليمية والعالمية لمستقبل النظام السوري، والتي تتضح بأنها غير متفائلة كثيرا بقدرته على الصمود في وجه الثورة الشعبية العارمة، خصوصا مع 'تصلب' الموقف السعودي تجاه دمشق، وما تبعه من مواقف لدول خليجية أخرى، صعّدت لهجتها تجاه دمشق، مطالبة إياها بـ'وقف نزيف الدم السوري'.
تلك الحسابات جميعها؛ رابحها وخاسرها، دفعت إلى الأمام بعمان إلى ضرورة اتخاذ موقف مغاير لما بدر منها تجاه الثورة السورية حتى اليوم، وهو الموقف الذي ظهر في 'الاتصال الهاتفي' بين رئيسي وزراء البلدين.
الحالة اليوم تتلخص في 'اتهامات سورية' و'تصعيد للهجة الأردنية'، غير أن مراقبين يؤكدون أن عمان لم تلعب بعد بأي أوراق على الساحة السورية، وهي التي تمتلك منها الكثير، فهل ستكشف الأسابيع المقبلة عن 'لعبة أخرى بين عمان ودمشق'، مثل استثمار الأطراف المعارضة السورية في عمان من قبل الأردنيين، واستثمار القوى المعارضة الموالية لدمشق في عمان من قبل السوريين