اليوم الثاني لـ "جرش": فرح وبهجة تعانقان صمت أعمدة المدينة الأثرية

 جرش-نت
شارعٌ مُعبّدٌ بخطواتِ العابرين عليه، متعثرين بحجارته التي قضم أطرافها الزمن، وشعاع الشمس الذي يذوبها ببطء شديد، وعلى جوانبه، تقف الأعمدة بلا كلام، ترقب المتّكئين على صمتها، وتصغي لما يصدحون به من فرح عفوي وهم يبيعون ما لديهم من مشروبات وأطعمة ومطرزات وتحف وحلي كلها من تراث المدينة، من تراث جرش، في يوم مهرجانها الثاني.
الأطفال أيضا، كانوا هم النجوم! فحتى بكاؤهم كان غناء رائعا، تطرب له المدرجات، يحملون أجهزتهم الخلوية، ليلتقطوا بها صورا تُشكّل جزءا من ذاكرتهم المكانية والتاريخية، ويركضون في الأزقة خلف المهرجين، يلاعبونهم ويرقصون معهم ويشاركونهم قرع الأجراس وقرع القلوب! وكانوا يلتفون حول بائع "العنبر"، يتسابقون إليه: "عمو، أريد عنبرا، عمو أعطني اثنتين، عمو، أنا طلبت أولا!". استوقف هذا المشهد أحد الشباب، الذي كان يرقب الأطفال مبتسما، فيقول "كان عمري عشرة أعوام، كهؤلاء الصغار، عندما كنت آخذ من أمي عشرة قروش، وأجلس على عتبة البيت أنتظر بائع العنبر كي يأتي، وأحيانا كنت أتأخر عنه، فلا يأتي، ولا أحصل على العنبر! فأبكي..".
وتمضي الطريق بالخطوات، هذه المرة نحو مسرح "أرتيمس"، حيث الشّعرُ هناك، يعانق هذه الأدراج والجدران بكلمات تختزل تفاصيل الأمكنة، خصوصا مع الشاعر اللبناني طلال حيدر، الذي قرأ في أمسيته قصيدته المشهورة "وحدن"، والتي تعاين المكان بشكل أو بآخر، فمنها:
"يا زمان
يا عشب داشر فوق هالحيطان
ضويت ورد الليل عكتابي
برج الحمام مسوّر وعالي
هج الحمام بقيت عبابي لحالي" ...رائحة الشواء تشدهم نحو المطاعم، وما بين "أرتيمس" و"الجنوبي"، يضج شارع الأعمدة بالمتجولين والسياح العرب والأجانب هناك.. وتستدرجهم رائحة الشواء نحو المنقل! وصوت الأطفال لم يتوقّف عن المرور بين الجدران وعبوره بين الأزقة، ليظل حكاية تختزلها الصخور هناك، لتفرج عنها يوما، وتخبر القصة للقادمين إلى المدينة في يوم ما .. وبعيد ..
سبعة أيام تفصل جرش عن وداع مهرجانها، لكنها لا تكفّ عن الفرح، ولن تكفّ عنه، ستظل قائمة بشعلتها، تحضن الجميع ببهائها وقلبها الذي لا يتوقّف نبضه لحظة واحدة عن الغناء.

0

Powered by Blogger | Big News Times Theme by Basnetg Templates

Blog Archive