وثائق سرية : القذافي خطط لانقلاب عسكري في بغداد



جرش نت

علمت «الشرق الأوسط» أن معلومات ووثائق من خزينة جهاز المخابرات الليبية سلمها مسؤول ليبي رفيع المستوى من الثوار في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى رئيس الحكومة العراقية، نوري المالكي، أسهمت في إحباط محاولة مزعومة لتبني نظام العقيد الراحل معمر القذافي انقلابا عسكريا ضده. وقالت مصادر ليبية رفيعة المستوى لـ«الشرق الأوسط» إن الدكتور محمود جبريل، رئيس المكتب التنفيذي السابق في المجلس الوطني الانتقالي، زار العاصمة العراقية خصيصا لإطلاع المالكي على فحوى الوثائق التي حصل عليها الثوار من داخل جهاز المخابرات في طرابلس بعد اجتياح الثوار لمعقل القذافي الحصين في ثكنة باب العزيزية في أغسطس (آب) الماضي. وأوضحت المصادر، التي طلبت عدم ذكر اسمها، أن لجنة محلية شكلها جبريل لفهرسة ودراسة كل الوثائق التي أمكن جمعها أو الحصول عليها في أقبية ومكاتب نظام القذافي، عثرت من بين آلاف الوثائق والأوراق الرسمية والخطية على أدلة تؤكد أن القذافي كان يسعى إلى تدبير أمر ما في العراق على نحو كان يعتقد أنه بإمكانه إرباك الخطط الأميركية والغربية ضده.

ولفتت إلى أن اللجنة سلمت إلى الدكتور جبريل مجموعة من الوثائق التي تؤكد وجود صلات قوية ورسمية لجهاز المخابرات الليبية مع بعض القيادات السابقة في حزب البعث العراقي وقياديين سابقين في الجيش العراقي، مشيرة إلى أن جبريل أجرى على الفور اتصالات مع المالكي لإبلاغه رغبته في القيام بزيارة عاجلة إلى العراق لإطلاعه على هذه الوثائق.

وبينما تعذر الاتصال بجبريل، الذي انتهت فترة ولايته كرئيس للمكتب التنفيذي بعد تنصيب الدكتور عبد الرحيم الكيب رئيسا للحكومة الانتقالية، أو الحصول منه على تعقيب فوري على هذه المعلومات، قال مسؤول مقرب من جبريل لـ«الشرق الأوسط»: «لم يكن ممكنا أن يتم تبادل الحديث بين الطرفين عبر الهاتف لحساسية الموضوع وخشية التنصت على المكالمة الهاتفية بينهما، فقرر جبريل أن يزور بغداد». وأضاف أن المالكي تفاجأ من طلب جبريل، ولم تكن لديه أي «معلومات عن الهدية الثمينة التي سيحملها إليه ضيفه الليبي لاحقا».

ووصل جبريل على رأس وفد ليبي محدود إلى بغداد في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في زيارة كان هدفها المعلن في حينها هو استفادة السلطات الليبية الجديدة من خبرات العراق في عملية إعادة الإعمار والبناء.

وقال مسؤول رافق جبريل في هذه الزيارة السريعة لـ«الشرق الأوسط» إن هدف الدكتور جبريل كان إظهار الجانب العبثي لنظام القذافي، وإبلاغ المالكي برسالة مفادها أن قرار الحكومة العراقية بعدم السماح لطائرات قطرية بعبور الأجواء العراقية في طريقها إلى ليبيا للمشاركة في العمليات العسكرية لطائرات حلف شمال الأطلسي (الناتو) ضد قوات القذافي، كان قرارا خاطئا بكل المقاييس. وأضاف: «كأنه كان يقول له انظر بنفسك، هذا ما كان يخطط له الرجل الذي امتنعت عن السماح لبلادك بالمشاركة في جانب بسيط لإسقاط نظام حكمه القمعي والدموي».

وقالت المصادر إن جبريل قام بتسليم الوثائق التي تؤكد وجود علاقات واتصالات مشبوهة بين نظام القذافي ومسؤولين في حزب البعث والجيش العراقي في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، إلى المالكي ما أسهم في إحباط هذا المخطط. وأوضحت المصادر أن جبريل أبلغ المالكي أنه شخصيا فوجئ بتفكير نظام القذافي في القيام بعمل ما ضد الحكومة العراقية عن طريق بعض العراقيين الموالين له، معتبرا أن هذا دليل قاطع على أن شرور القذافي وصلت إلى مختلف أنحاء الكرة الرضية ولم يسلم منها عدو أو صديق، على حد قوله آنذاك.

وأسهمت الوثائق التي سلمها جبريل إلى المالكي في بغداد لاحقا في قيام السلطات العراقية بحملة اعتقالات مفاجئة، شملت نحو 200 شخص ممن وردت أسماؤهم أو ذويهم في الوثائق الليبية التي حمل بعضها توقيع عبد الله السنوسي صهر القذافي ورئيس جهاز المخابرات الليبية المثير للجدل.

وقالت الحكومة العراقية إن تلك الاعتقالات جاءت بناء على معلومات من الحكومة الانتقالية الليبية مفادها أن بحوزتها وثائق تكشف عن أن القذافي كان يعمل مع مسلحين في العراق للقيام بانقلاب عسكري.

وكانت تقارير صحافية أميركية قد نقلت بعد قليل من زيارة جبريل إلى بغداد عن مسؤول عراقي أن مضمون الوثائق الاستخباراتية السرية التي تم العثور عثر عليها إثر سقوط طرابلس في يد الثوار، تفيد بتورط القذافي في مؤامرة تهدف إلى الإطاحة بالحكومة العراقية. وقالت إن الوثائق كشفت عن وجود اتصالات جمعت بين العقيد الليبي وأعضاء سابقين في مؤسسة صدام حسين العسكرية وحزب البعث العراقي بهدف التخطيط للإطاحة بالحكومة في بغداد.

ويعتقد مسؤولون في المجلس الوطني الانتقالي الليبي وقيادات أمنية من الثوار على صلة بهذه الوثائق بأن السنوسي أوعز إلى العقيد الراحل بإمكانية إرباك المشروع الأميركي في العراق عبر دعم عملية انقلاب عسكري ضد حكومة المالكي.

وقال مسؤول في المجلس الانتقالي لـ«الشرق الأوسط»: «كان القذافي مستعدا لفعل أي شيء يجبر إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على تخفيف الحملة السياسية والعسكرية ضده، وكان يظن أن بإمكانه أيضا لفت الأنظار عما يجري في الداخل الليبي». وتابع: «نعتقد أن السنوسي أوهم القذافي بإمكانية نجاح هذه الخطة وبسهولة تنظيم انقلاب عسكري في بلد يبعد آلاف الكيلومترات عن الحدود الليبية، أنه (السنوسي) كان يسعى دائما وراء الأفكار غير التقليدية وحتى الوهمية منها لخدمة نظام سيده». وأضاف: «تصور لو نجحت هذه الخطة في تغيير نظام الحكم في العراق، بالتأكيد فإن وضع إدارة أوباما والتحالف الدولي ضد القذافي، كان سيكون محرجا ومرتبكا، هذا هو ما خطط له السنوسي وأوهم به القذافي على ما نعتقد».

واستدرك قائلا: «رغم أن الخطة يستحيل تنفيذها عمليا بسبب ضعف جهاز المخابرات الليبية وعدم تمتعه بعملاء أقوياء على الأرض قادرين على الإشراف عمليا على مشروع كهذا، لكن القذافي كان يستهدف بالأساس تحويل الأنظار تماما عما يقوم به من عمليات سحق وقتل ضد مواطنيه في الداخل».

وتحدث مسؤولون ليبيون عن قناعتهم بأن تفكير القذافي في القيام بعمل عسكري ضد حكومة المالكي ربما لم يكن بالأساس «مرتبطا فقط بمساعيه لإرباك العدو الأميركي عبر محاولة لفت الانتباه إلى العراق بعيدا عن ليبيا وما كان يجري فيها من تمرد شعبي عارم ضده، ولكن بالأساس لرغبة القذافي في تأديب الحكومة العراقية التي عارضت مساعيه لإقناع مجلس الأمن الدولي بفتح تحقيق في ملابسات إعدام الرئيس الراحل صدام حسين».

وقال مسؤول ليبي لـ«الشرق الأوسط»: «كلما تأزمت العلاقات بين نظام القذافي وإدارة أوباما في واشنطن، لجأ القذافي إلى استخدام العراق كساحة سياسية لحسم الخلافات على طريقة (سيب وانا اسيب)، أي تعالوا نحسن العلاقات الثنائية وإلا ركزت الأضواء على العراق».

وسعى القذافي عدة مرات دون جدوى لإقناع القمة العربية ومجلس الأمن الدولي بإجراء تحقيق رسمي حول ملابسات غزو العراق وإسقاط نظام حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 2003.

لكن الآن يقول نفس المسؤول الليبي الذي طلب عدم تعريفه أن هذا الطلب لم يكن سوى تعبير عن احتقان مكتوم في العلاقات الليبية - الأميركية آنذاك، مشيرا إلى أن العلاقات التي نسجتها عائشة ابنة القذافي مع صدام حسين كانت أيضا تصب في نفس الإطار. وأضاف: «كان القذافي يجيد استخدام أوراقه جيدا، كان يتصور أنه زعيم عصابة عليه أن يدفع بأوراق على طاولة اللعب حتى لو كانت من صنعه وتأليفه من أجل إرباك خصومه، كانت تلك ببساطة استراتيجيته الناجحة مع الأميركان».

لكن مسؤولا آخر في المجلس وعلى صلة بالنواحي الأمنية قال في المقابل لـ«الشرق الأوسط» إن الوثائق أيضا تثبت أن السنوسي حاول الاستعانة بخدمات ضباط وعسكريين سابقين في الجيش العراقي للانضمام إلى القوات العسكرية والكتائب الأمنية الموالية للقذافي من أجل إخماد الثورة الشعبية التي اندلعت ضده اعتبارا من 17 فبراير (شباط) الماضي. وأضاف: «لم يكن من الصعب أن يفكر النظام السابق في الاستعانة بخدمات مرتزقة من مختلف أنحاء العالم ضد الثورة الشعبية.. العراق كان على لائحة الدول التي جرت معها اتصالات لإقناع بعض العسكريين السابقين في جيش صدام حسين بالذهاب إلى ليبيا ومساعدة القذافي في حربه الداخلية».

وتقول وثائق يحتفظ بها المجلس الانتقالي ولم ينشر تفاصيلها كاملة بعد، إن نظام القذافي استعان قبل سقوطه بمرتزقة من كولومبيا وصربيا وروسيا وكرواتيا وعدة دول عربية من بينها سوريا والجزائر والعراق بالإضافة إلى دول أفريقية مثل النيجر ومالي وجنوب أفريقيا، في محاولة يائسة لإنقاذ نظامه الذي كان يتداعى أمام صمود الثوار في المعارك العسكرية الضارية التي خاضوها ضد قوات القذافي بدعم من حلف الناتو على مدى نحو 8 شهور.


الشرق الاوسط

Powered by Blogger | Big News Times Theme by Basnetg Templates

Blog Archive