تطلعات شباب الربيع العربي وصعود الإسلام السياسي
جرش-نت
أظهرت نتائج الانتخابات التشريعية في تونس و المغرب ومصر فوزا كبيرا، وإن لم يكن بأغلبية مطلقة، لقوى الإسلام السياسي. في تونس حصد حزب النهضة أكثر من 40% من أصوات الناخبين وسيكون منصب رئيس الوزراء المقبل من نصيبهم. كما حصد حزب العدالة والتنمية في المغرب أكثر من 80 مقعدا في البرلمان المقبل، وهو ما جعل العاهل المغربي يعين عبد الاله بنكيران زعيم الاسلاميين رئيسا للوزراء . وفي مصر حقق حزبا الحرية والعدالة، الوجه السياسي لحركة الأخوان المسلمين، والنور، الذراع السياسي لحركة السلفيين في البلاد، فوزا ساحقا في المرحلة الأولى من الانتخابات المصرية. و جاءت القوى الليبرالية والقومية والاشتراكية، أو عموما القوى المدنية غير المتدينة في مجتمعات الربيع العربي في مواقع اقل أهمية، حيث لا تشكل مجموع قواها كتلة تضاهي قوة الإسلاميين مجتمعة. حقائق أكدت مخاوف شرائح واسعة في تلك المجتمعات والتي حذرت مسبقا من مغبة صعود الإسلام السياسي، ما قد يتسبب في تراجع الحريات الفردية والمساس بحقوق الأقليات الدينية و الإثنية. ويتساءل المرء عن موقف الشباب من صعود تيار الإسلام السياسي في دول الثورات، التي ضحى من أجلها الشباب "الغالي والنفيس"، كما يقولون في بياناتهم. كما يبدو السؤال ملحا عن كيفية تعامل الأحزاب السياسية الفائزة في الانتخابات بعد عقود من القمع والتهميش مع القوى الليبرالية في المجتمع.
أجواء حماسية وانضباط منقطع النظير
ناخبو حزب النهضة التونسي شاركوا بكثافة في صنع فوز حزبهم الإسلاميالأجواء التي رافقت عملية الاقتراع في الدول الثلاث، تونس والمغرب ومصر، كانت إيجابية عموما و"مثيرة للحماس"، خصوصا بين الشباب، وإن اختلفت بين دولة وأخرى، كما تقول مها الولهازي، صحافية شابة تونسية، في حديثها مع إذاعة دويتشه فيله. وتضيف مها أنها كانت "منبهرة" صباح يوم الاقتراع عندما شاهدت طوابير الناخبين أمام مكاتب الاقتراع. و تتابع " الناس كانوا منضبطين ومتحمسين للمشاركة في الانتخابات، فهي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد". أما سمر بن رمضان، الأكاديمية والصحافية التونسية التي تعيش في كندا فتقول " لقد قطع تونسيو المهجر مئات الكيلومترات للوصول إلى مكاتب الاقتراع، وهو أمر أثار في نفسي شعورا عميقا بالفخر والاعتزاز بمواطني بلدي". من جانبه تحدث الأكاديمي الشاب والصحافي عبدالسلام بدر عن ظروف الانتخابات المغربية التي قال عنها بأنها تجري في "ظل التعديلات الأخيرة للدستور وفي ظل اكتساح عملية التغيير، الربيع العربي، لمجمل دول المنطقة بشكل مباشر أو غير مباشر". بيد أن عملية الاقتراع لم تشمل مغربي المهجر، ربما في محاولة من النخبة السياسية المتنفذة في البلاد لحرمان القوى الإسلامية المغربية من حشد نفوذها خارج البلاد، كما يقول عبدالسلام. الحماس رافق الانتخابات المصرية، حيث سجلت عملية الاقتراع اكبر نسبة مشاركة في تاريخ البلاد، كما يقول الصحافي الشاب والناشط السياسي ياسر خليل.
الصراع بين العلمانيين والإسلاميين من جديد
المخاوف من صعود الإسلام السياسي يشير إلى تفعيل الصراع القديم بين قوى العلمانية والإسلامية في العالم العربي والذي أمتد على مدى القرن الماضي وبلغ ذروته في العقدين الأخيرين. تقول مها الولهازي إنها "تخشى من تراجع الحقوق المضمونة دستوريا للمرأة التونسية بعد صعود حزب النهضة إلى السلطتين التشريعية والتنفيذية". لكن سمر بن رمضان تبدد هذه المخاوف بالقول" إن المفكرين الذين وضعوا قانون الأحوال الشخصية في تونس، الذي يضمن حقوق المرأة، كان من بينهم مفكرون إسلاميون". ولهذا لا تتوقع سمر أن يتراجع النظام الجديد في البلاد عن تلك المكتسبات التي ناضل من أجلها كل الشرائح في تونس.
من جانبه يشعر ياسر خليل، الصحافي المصري، بالقلق الكبير لو تولت شخصية من شخصيات الأخوان المسلمين منصب رئيس الوزراء في مصر، كما هو الحال حاليا في تونس، ويبرر ذلك بالقول " عندما اقرأ برامج حزب الحرية والعدالة واستمع إلى تصريحات كوادر الأخوان ينتابني شعورا بالقلق إزاء مستقبل مصر". فمن يعرًف الهوية المصرية بالإسلامية" " ينكر وجود أقليات أخرى كالأقباط مثلا، والبهائيين واليهود، وإن كانت الفئتين الأخيرتين بأعداد قليلة، فأنه يعرض النسيج الوطني لخطر التمزق".
لكن الأكاديمي المغربي والصحافي الشاب عبدالسلام بدر يعتقد أن القوى الإسلامية النشطة حاليا والتي تفوز في الانتخابات باتت "مهذبة" سياسيا. فهي تتحدث بلغة تلقى قبولا واسعا من شرائح اجتماعية، لا يمكن وصفها بأنها متدينة. و ربما يكون ذلك بسبب تأثير حزب العدالة والتنمية التركي الذي قدم نموذجا ناجحا لحد الآن فيما يخص توافق الدين مع الديمقراطية من جانب، وفيما يخص النجاح في انتهاج سياسة اقتصادية تتجاوب مع تطلعات سكان البلاد. لكن ياسر يبقى على موقفه الحذر من صعود الإسلاميين إلى دفة السلطة مبررا ذلك بالقول "إن قيادات الأخوان المسلمين هاجمت رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان بعد إلقائه لخطاب في القاهرة قدم فيه حزبه التركي كنموذج يقتدى به في المستقبل". و يستخلص ياسر إلى القول "ينبغي على القوى الإسلامية التي ستحكم عددا من دول المنطقة أن تنتهج سياسة واقعية وتفصل بين الإيديولوجية ونظام إدارة الدولة، وإلا فسيكون الفشل مصيرها".
محاولات طمأنة الرأي العام
ولتهدئة مخاوف الأقباط والشرائح الأخرى، من صعود التيار الإسلامي حرص العديد من قادته على التأكيد على عدم المساس بالحقوق الوطنية لهذه الأقلية التي تشكل اكبر جالية مسيحية في الشرق الأوسط مع تراوح عدد الأقباط بين 8 وعشرة ملايين. و ذهب محمد نور، المتحدث باسم حزب نور السلفي، الذي حصد أكثر من 20% من أصوات الناخبين في مصر، إلى القول مؤخرا "إن مس أي شعرة من أي مسيحي يتناقض مع برنامجنا". و أضاف " أن مصر بلد إسلامي وتطبق فيه الشريعة الإسلامية منذ 1300 سنة والأقباط استطاعوا أن يعيشوا في مصر سعداء".
من جانبه يحاول رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية، وهي حركة سلفية شاركت في الانتخابات الأخيرة طمأنة المسيحيين في مصر وخارجها عندما يقول"إن حزبه يريد دستورا جديدا يحفظ الهوية الإسلامية لمصر ويضمن حقوق غير المسلمين".
وتسعى هذه الأحزاب إلى طمأنة الناخبين من أنها لا تريد أن تنفرد بالسلطة، رغم فوزها الكبير في الانتخابات. خيرت الشاطر، نائب المرشد العام للاخوان صرح مؤخرا بالقول " ينبغي للفائزين في الانتخابات، أحزابا وأفرادا، أن يعلموا أنه لا يستطيع فصيل واحد أو بضعة فصائل أن ينهضوا بمصر وأنه لا بديل عن توافق وطني قائم على أساس الحفاظ على مصلحة مصر".