الإنجاب في سن متأخرة: قلق متواصل على الحمل وخجل من الأبناء
جرش نت - حالة من القلق عايشتها صبا (47 عاما) خلال فترة الحمل التي مرت بها مؤخرا، خوفا من مصاحبة مشاكل لعملية الولادة، وهي تنجب في سن متأخرة.
كان حدس صبا، التي أنجبت من قبل خمسة أولاد، في مكانه، عندما أنجبت طفلا منغوليا، جاء بعد إلحاح زوجها على الحمل ولو كان متأخرا.
كان حدس صبا، التي أنجبت من قبل خمسة أولاد، في مكانه، عندما أنجبت طفلا منغوليا، جاء بعد إلحاح زوجها على الحمل ولو كان متأخرا.
وتقول "وافقت على الحمل، لأني أعرف زوجي جيداً، ففي حال لم أرد عليه، وأنجب له طفلاً في هذه السن، سيتزوج علي، لينجبه من زوجة ثانية، وهذا الأمر لا يمكنني تقبله، ما جعلني أوافق على الحمل، وأتحرج من الأشخاص كافة من حولي، إلا أن الصدمة الأكبر كانت عندما أنجبت طفلا منغوليا زاد من حالة حرجي أمام الناس".
صبا، التي توكلت على الله ورضيت بقدرها، وما يتطلبه من عناية وجهد وتعب في وقت لم تعد فيه قادرة على ذلك، أكدت أن ذلك هو الثمن لحماية زواجها، بعد أن ظل إلحاح زوجها يهددها بعدم الأمان والاستقرار الأسري في عائلة تتكون من خمسة أولاد أصغرهم كان عمره (15 عاما)، مشيرة إلى أن شريكها سلط سيفه على رقبتها، بحجة أن البيت يفتقر للحركة والحيوية وصوت الأطفال.
وحال صبا يختلف كثيرا عما تعيشه سميرة (50 عاما)، التي زوجت اثنتين من بناتها، وفي أحد الأيام شعرت ببعض الأوجاع لتراجع الطبيب، وتجد نفسها حاملاً، وكان الخبر بمثابة الصعقة، بالنسبة لها ولزوجها؛ فهو أمر لم يكن مخططا له على الإطلاق، ما جعلهما يتكلان على الله ويتقبلان هذا الحمل، خوفاً من اللجوء الى الإجهاض كونه حراما.
سميرة التي عاشت ثمانية أشهر من الخوف والقلق، وكانت متأكدة 100 % من أن طفلها سيكون معوقا، أكدت أن الخجل من أبنائها وبناتها كان يحتلها؛ حيث تزامنت ولادتها مع ولادة ابنتها، مشيرة إلى أن "رحمة الله كانت أوسع من كل شيء، فأنجبت طفلا سليما، بعيدا عن أي تشوهات".
اختصاصي علم الاجتماع د.منير كرادشة، يرى أن للإنجاب في سن متأخرة عدة جوانب؛ فهناك الكثير من السيدات اللواتي يتأخرن في سن الزواج بسبب التعليم والعمل، ما يخلق لديهن حالة من الالتحاق والتعويض لما فاتهن في العزوبية، وهناك سيدات تزوجن في سن متأخرة جدا، ويعرفن مدى خطورة الإنجاب في هذه السن، إلا أنهن يستمررن فيه لاعتباره قضية قدرية.
ويشير إلى وجود سيدات أنجبن جميع أبنائهن، إلا أنهن وبعد فترة من الزمن، تصبح لديهن رغبة في الإنجاب، أو قد يحدث الحمل فجأة بدون تخطيط، مبيناً أن هذه الفئة تصبح عندها حالة من الخجل من الوصمة الاجتماعية، لأنها تريد الإنجاب في هذه السن، بعد أن كبر الأبناء، إلى جانب خوفها على الصعيد الصحي وإمكانية إنجاب طفل غير سليم.
والمجتمع ينظر بصورة سلبية إلى الأمومة المتأخرة بجوانبها كافة، وفق كرادشة، خصوصاً إذا كان للمرأة أبناء متزوجون وتقوم بالحمل والإنجاب، حتى أن المجتمع المعرفي والمتعلم لا يسامحها، لأنها بهذه الطريقة تعرض نفسها والجنين للخطر، ويمكن أن يولد طفل غير سليم أو ضعيف البنية إلى جانب أنها تعد أما غير قادرة على العطاء في هذه السن.
أما عبير (42 عاما)، التي تزوجت منذ عامين بسبب انشغالها في عملها وتعليمها، فتجد أنها أغفلت أمر الزواج والإنجاب، ولم تدرك ذلك إلا في وقت متأخر، وبعد زواجها بفترة قصيرة حملت، وبعد عدة أشهر تبين من خلال الفحوصات أن الجنين الذي تحمله "معوق"، وهو الأمر الذي عكر عليها صفو حياتها، إلا أنها تمسكت به، لرغبتها بالحصول على هذا الطفل، فتقول "إنجابي طفلا معوقا هو ضريبة تأخري في الزواج".
اختصاصي النسائية والتوليد د.عصام الساكت، يرى أن نسبة الإنجاب في سن ما بعد الـ40 في تراجع كبير ومطرد، بسبب الوضع الاقتصادي للناس ووعيهم من الناحية الصحية، وخوفا من إنجاب طفل منغولي في هذه الحالة، ما يجعل عملية الإنجاب في هذه السن عملية غير مرغوب بها، لما يتطلب هذا الطفل من عناية والتزام.
كما يشير إلى أن العامل البيئي والعادات السيئة للمواطن الأردني، جعلت موضوع الإنجاب في سن متقدمة أمرا صعبا جداً، والسبب هو التدخين والنرجيلة التي تؤدي إلى ضعف المبايض، وبالتالي نقص في عملها، إلى جانب طبيعة الطعام، والظروف البيئية الموجودة التي تؤدي إلى تناول أطعمة ملوثة تؤثر على عملية الإنجاب وانتشار العقم وتأخر الحمل.
ويؤكد الساكت أن ذلك هو الفرق بين الإنجاب قديما وحديثا؛ حيث إن عدم توفر تلك العوامل كان يمكن السيدة من الإنجاب في سن متأخرة بدون حدوث أي قلق، بينما الآن وعند بلوغ السيدة سن 35 تصبح لديها مخاوف من إنجاب طفل معوق، لافتا أنه لا توجد احتمالية مؤكدة، فقد تكون سيدة في الـ40 وتنجب طفلا سليما، وكلما تقدم العمر زادت احتمالية إنجاب طفل معوق.
الاختصاصي النفسي د.أحمد الشيخ، يرى أنه بعيداً عن الناحية الصحية، فإن الأمر يعتمد على ظروف الزواج، ففي حالة الزواج المتأخر تكون المرأة متشوقة للحصول على جنين، ما يجعلها إيجابية وقادرة على ذلك من الناحية النفسية، أما في حال كان حملا غير مرغوب فيه؛ أي بالخطأ، فستواجه مشكلة في التهيئة النفسية للعودة من جديد، بوجود مولود، مبينا أنه في حال كانت السيدة في سن متقدمة ولديها الرغبة في الإنجاب، فإنها ستقدم له من الناحية النفسية كل العناية والدعم.
ويشير الشيخ إلى أنه في كل الأحوال، يفضل للمرأة الإنجاب في فترة زمنية معينة، حتى لا تحصل حالة من الإرباك في العائلة، خصوصا في حال وجود أطفال كبار.
في حين يعد اختصاصي الشريعة د.منذر زيتون، الإنجاب أمراً محموداً في الشرع متى ما كانت المرأة قادرة عليه، لافتا إلى أن الإنجاب محبب ولو كان في سن متأخرة، إلا إذا كانت له مخاطر على المرأة، فتمنع منه إعمالاً للقاعدة التي تقول "لا ضرر ولا ضرار"، بل والمعلوم أن العلماء أفتوا بإباحة الإجهاض إن كان يتسبب في خطر على الأم.
ويبين زيتون أن من محاسن الإنجاب المتأخر، إعادة الروح إلى حياة الأسرة، فبوجود مولود جديد في فترات متأخرة تدب في الأسرة روح التآلف والمسرة من جديد، ويصبح المولود محط اهتمام الجميع، بل إن الوالدة قد تعتمد في تربيته كثيراً على معاونة أبنائها الكبار، فتسند إليهم الأدوار المختلفة في رعايته وتلبية متطلباته.
ثم إن الإنجاب المتأخر، كما يقول زيتون، يعد تسلية للأم والأب بعد مفارقة أبنائهم، فكثير من الأزواج يعانون الوحدة والفراغ بعد زواج أبنائهم وخروجهم إلى أسرهم الجديدة، ويشعر الوالدان بخلو البيت من جديد، وحينها وفي ظل وجود ابن أو أكثر في كنفهما يجدان الأنس والعون.
ولا ينبغي أن يقال إن الإنجاب المتأخر سلبي دائماً، وإنه يؤثر على صحة الأم؛ لأن بعض الدراسات خرجت بنتائج مختلفة تماماً عن ذلك، إذ أوصى بعض الباحثين السيدات بالإنجاب المتأخر ما دمن قادرات عليه لأنه من الأمور التي تطيل العمر، بحسب قوله، إلى جانب الفوائد المعنوية النفسية التي تكتسبها الأم والأسرة عموماً.