جامعيون يصابون بالإحباط من تفاقم مشكلة البطالة
تتكسر أحلام الشباب من الواقع الأليم بسبب البطالة، التي أضحت من المشاكل المستعصية التي تواجه الخريجين، وتبدد طموحاتهم، وخصوصا مع انتشار المحسوبية والواسطة في العمل، ما جعل البعض يعلق شهاداته الجامعية على الحيطان للذكرى.
كانت فداء أبوالدلو (24 عاما)، عندما حصلت على شهادة الثانوية العامة في العام 2003، تخامرها أحلام الشهرة والأضواء والإبداع، والظهور على شاشات التلفزيون، خصوصا بعد حصولها على علامة جيدة أهلتها للالتحاق بقسم الصحافة والإعلام في جامعة اليرموك آنذاك.
ومرت الأعوام الأربعة التي قضتها في الجامعة سريعة كالحلم، وكانت خلال دراستها تعمل مع العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية حتى تزيد من خبرتها؛ لأن الصحافة والإعلام، ممارسة وحس وإبداع تحتاج إلى التطوير، كما تقول، وفي كل عام "أزداد لهفة على خوض غمار التجربة المهنية للالتحاق بإحدى الصحف أو المحطات التلفزيونية، وأظهر قدراتي العملية التي تعلمتها في الجامعة".
وتقول "بعد سنة من التخرج، بدأت أعاني من البطالة، وشعرت أن أحلامي بدأت تتحطم على صخور الواقع الصعب لوظائف الإعلام، وبالذات بعد أن لمست أن أفواجا من خريجي الصحافة وباقي التخصصات، لا تتوفر لديهم فرص عمل تحفظ كرامتهم، وتعوضهم عناء الاجتهاد في الجامعة، وبناء الأحلام وتحقيق الطموحات".
وفداء، التي لعب معها الحظ قليلا، وعملت كمربية في إحدى الحضانات القريبة من منزلها، ليست هي الوحيدة التي تكسرت أحلامها، ووقعت فريسة البطالة، فغيرها الكثيرون من حملة الشهادات الجامعية في البكالوريوس والماجستير والدكتوراه.
ويبلغ عدد خريجي الجامعات الأردنية الحكومية والخاصة، ما يقارب 50 ألف خريج سنويا، يدفع بهم إلى سوق العمل في مقابل قدرة تشغيلية متوفرة في السوق الأردنية لا تتجاوز 9 % في القطاعين العام والخاص، وذلك وفق نشرة موقعي وزارتي العمل والتعليم العالي الإلكترونيين.
ويدعو اختصاصي علم الاجتماع د.حسين الخزاعي، الشباب إلى تنمية مهاراتهم العملية والعلمية ليسهموا في التخلص من مشكلة البطالة، وتقوية لغتهم الإنجليزية على أمل الحصول على فرصة عمل مناسبة تضمن لهم دخلا مجزيا يساعدهم على تكاليف الحياة لأنها أكثر اللغات انتشارا في العالم؛ إذ إن هناك شخصا من بين كل أربعة أشخاص في العالم يستطيع التواصل باللغة الإنجليزية، فهي لغة رئيسية في التجمعات السياسية الدولية في جميع أنحاء العالم، وهي اللغة الرسمية لـ%85 من المنظمات العالمية.
ويرى أيضا أن الخريجين عليهم تعلم مهارات أخرى للسعي وراء توفير فرص عمل أخرى؛ مثل تعلم مهارات الكمبيوتر وتطبيقاته، فقد أصبحت مراكز تعليم برامج الكمبيوتر منتشرة فى جميع أنحاء المملكة.
ويشير إلى أن أعدادا من الشباب والشابات، يقومون بتطوير مهاراتهم، لكن يعترف أن نسب البطالة لدى من هم من حملة الشهادات الأكاديمية تكتسح صفوف الجميع، مرجعا ذلك إلى عدم التخطيط الجيد لسوق العمل، وتغيير الحال بشكل سريع.
ويبرز التربوي د.محمد أبوالسعود بعض النماذج الإيجابية للشباب في طريقهم للتخلص من البطالة؛ إذ منهم من خاض تجربة العمل الحر، وضغط على نفسه وتحمل خطورة ما أنجز من أعمال، قائلا "إن هؤلاء الشباب هم الأكثر إثارة للإعجاب، فقد تحدوا الثقافة الوظيفية السائدة في المجتمع العربي، والتي ما تزال تقوم على تفضيل العمل الوظيفي على العمل الحر، رغم انخفاض الأجور في العمل الوظيفي".
ويبين المهندس الكيماوي أنور حماد، أن الشهادة الجامعية وحدها لم تعد تكفي للعمل؛ فالمهندسون يجلسون في بيوتهم عدة أعوام، لذلك هناك الكثير ممن يخططون "للتعمق في الدراسة الأكاديمية كوسيلة للحصول على فرصة أفضل للعمل، وخصوصا في المراكز البحثية والجامعات المفتوحة والإقليمية، التي تطلب من آن إلى آخر معيدين للعمل فيها".
ويلفت إلى أن هناك من يسعى للتدريب في مجال عمله الأصلي، حتى ولو بدون مقابل أو بمقابل زهيد للغاية.
خريجة كلية التربية في قسم الرياضيات في إحدى الجامعات الأردنية سحر الخطيب، لم تستسلم للبطالة، واتجهت عقب تخرجها إلى أحد مراكز تدريس الطلبة من المرحلة الإعدادية، تقول "رغم أنني تقاضيت أجرا من صاحب المركز وهو مبلغ 100 دينار فقط، وذلك لقلة التعيينات في المدارس، أجد أنها خطوة تمكنني من كسب الخبرة في التدريس والوصول إلى وظيفة في مدرسة أخرى فيما بعد".
ويؤكد الدكتور الخزاعي أن هناك الكثيرين ممن ينظرون إلى أن التطوع في شركات أو العمل برواتب قليلة، ولو على سبيل التدريب، يفتح الآفاق أمامهم للتعرف على احتياجات سوق العمل، والأماكن التي يمكنهم التقدم لها ومدى الخبرة ونوعها التي يلزمهم اكتسابها.
ويرى اختصاصي علم النفس د.محمد حباشنة أن الإحباط هو سيد الموقف في حياة المتعلم العاطل عن العمل، فقد دفعت البطالة الكثير من خريجي الجامعات إلى تعليق شهاداتهم على الجدران أو تمزيقها بسبب عجز الحكومة عن توفير الوظائف وفرص العمل لهم.
ويقول الحباشنة إنه في ظل صعوبة الحصول على وظائف حكومية أو خاصة، ومع تفشي المحسوبية والبيروقراطية وعدم الالتفات إلى معالجة مشكلة البطالة التي تبعثر أحلام الكثيرين، بات من الطبيعي أن يصيب الفرد الكثير من العقد والسخط على المجتمع والندم على سنوات الدراسة.
وكانت دائرة الإحصاءات العامة قد أصدرت تقريرها الربعي حول معدلات البطالة في المملكة، وذلك للربع الثالث من العام 2011 استنادا إلى مسح العمالة والبطالة/ الجولة الثالثة؛ حيث بلغ معدل البطالة 13.1 % خلال تلك الفترة، معدل الذكور منها 11.1 % مقابل 22.4 % للإناث للفترة نفسها.
وانخفض معدل البطالة للربع الثالث من العام 2011 بمقدار أربعة أعشار النقطة المئوية عن الربع الثالث من العام 2010؛ حيث كان المعدل آنذاك 13.5 %؛ إذ تبين أن معدل البطالة ارتفع للذكور بمقدار أربعة أعشار النقطة المئوية، وانخفض للإناث بمقدار 3.6 نقطة مئوية، وذلك عن الربع المماثل من العام 2010.