الفتيات غير المتزوجات في البيت الواحد: تبديد لحلم الاستقرار وهمّ يثقل صدور الأهل
جرش-نت
الزواج "عربون" السعادة والاستقرار، بنظر كثير من الأسر في المجتمع الأردني
التي يؤرق معظمها وجود أكثر من فتاة في العائلة غير متزوجة. بسبب الأوضاع
الاقتصادية السيئة التي ألقت بظلالها على الشباب وعدم قدرتهم على الارتباط،
هاجس تزويج البنات يقض مضجع الخمسينية أم وليد التي تقول "أدعو الله ليل
نهار أن يزوج بناتي فالزواج ستر واستقرار"، مضيفة "لدي ثلاث فتيات، الصغرى
تبلغ من العمر 25 عاما، أمّا الكبرى فعمرها 35 عاما"، مبينة أن أيا منهن لم
تتزوج بعد، وهو ما يشكل قلقا دائما وخوفا عليهن.
أم وليد التي لديها خمس فتيات ت
زوجت اثنتان، مثقلة بالهمّ، وفق وصفها لأنها تريد أن ترى
جميع بناتها في بيوت أزواجهن سعيدات، مبينة أن العائق في زواجهن إلى الآن
رفضهن الارتباط بشاب غير مقتدر ماديا خوفا من معاناتهن، لا سيما أنهن
موظفات ويعشن في وضع أسري مستقر ماديا.أم وليد التي لديها خمس فتيات ت
العشرينية هبة تحلم بالاستقرار الذي يتجسد، وفقها، بالارتباط، لا سيما أنها مشرفة على الثلاثين، وتتخوف أن يلازمها شبح العنوسة، خصوصا كلما نظرت إلى شقيقتها البالغة من العمر أربعين عاما ولم تتزوج حتى الآن.
وتقول هبة "لا أعرف إذا ما كان النصيب هو السبب، أو الظروف المحيطة، لكنني متخوفة ألا أتزوج لأنني أحلم بتكوين أسرة، وعدم تحقيقي لحلمي سيصيبني بالاكتئاب"، مبينة أن قلقها يزداد كلما شعرت بحزن شقيقتها الكبرى ووحدتها.
وتبيّن هبة أن وضع والدتها وأشقائها يجعلها تخاف من فكرة البقاء بدون زواج، إذ إن الاستقرار بالنسبة لها يشعرها بحياة ملؤها التفاؤل، لا سيما أنها لم تكمل تعليمها بعد الثانوية، ولا تعمل، مبينة أن كثيرا من المتقدمين لخطبتها لا يعودون متذرعين بأنها كبيرة في العمر.
ويقدر إجمالي عدد النساء الأردنيات غير المتزوجات، وفقا لدراسات جمعيات أردنية، ممن تبلغ أعمارهن 18 سنة فأكثر حوالي (451232) امرأة في العام 2009. تشكل ما نسبته 29.1 % من إجمالي النساء في الأعمار من 18 سنة فأكثر، بينما يقدر عدد الرجال غير المتزوجين في الأعمار نفسها بنحو (609302) رجل، شكلوا ما نسبته 39 % من إجمالي الذكور في الأعمار من 18 سنة فأكثر.
فيما تقدر نسبة النساء اللواتي لم يسبق لهن الزواج وبلغت أعمارهن (30 سنة فأكثر) نحو (98633) امرأة لسنة 2009، بزيادة مقدارها (91943) امرأة عما كان عليه الوضع في سنة 1979، أي أن هذا الرقم قد تضاعف (15 مرة) منذ سنة 1979 وحتى نهاية سنة 2009.
وتتواجد في بعض العائلات الأردنية فتيات في الأسرة الواحدة لم يسبق لهن الزواج لأسباب متعددة، وفق أستاذ علم الاجتماع المشارك في الجامعة الأردنية د. حسين خزاعي، الذي يبين أن هناك تقبّلا ملحوظا من قبل الأسرة الأردنية الواحدة لوجود أكثر من أنثى غير متزوجة؛ لأن القضية عامة وليست خاصة.
ويلفت خزاعي إلى أن التعامل مع هذه القضية يستوجب النظر إلى الظروف والأسباب التي بالعادة تكون خارجة عن إرادة الإناث والأسرة والمجتمع، وليست محصورة ضمن نطاق العائلة الواحدة.
بالمقابل يوضح خزاعي أن المجتمع يستطيع مواجهة المعضلة التي يتعرض لها الشباب والفتيات غير المتزوجين من خلال تسهيل وتيسير أمور الزواج، والابتعاد عن البذخ والكماليات.
ولا يجد خزاعي ضيرا بقيام الوالدين بالبحث عن أزواج لبناتهما ضمن أطر لا تقترب من الاستعراض، حيث يهتم الأب والأم بإيجاد فرص تتيح لبناتهما الارتباط والاستقرار، مشيرا إلى أهمية عدم تخويف الفتيات من عدم الزواج، وتجنب تذكيرهن على الدوام بالعنوسة، لأن الأمر متواجد عند الكثير من الأسر التي يجب أن يبدأ الحل من داخلها.
وينوّه خزاعي إلى أن الشروط التعجيزية كالمستوى التعليمي والاجتماعي والمادي التي توضع من قبل الأهل، تؤثر على قضية بقاء الفتيات غير متزوجات، بالإضافة إلى "الفارق البيولوجي" الذي يضعه الأهل عند بحثهم عن فتاة تناسب ابنهم، كأن تكون الفتاة أصغر من ابنهم بحوالي (5 إلى 10 سنوات).
من جهته يشير اختصاصي الإرشاد الأسري والتربوي الدكتور محمد أبوالسعود، إلى أن النظرة المجتمعية تؤثر بشكل كبير على تصرفات الأهل مع الفتيات غير المتزوجات المتواجدات في العائلة، مشددا على أهمية تعامل الأهل بالمثل مع الأنثى خصوصا داخل المنزل، وعدم إشعال السلطة الذكورية في المنزل؛ حيث تستعد الفتاة لقبول أي شخص للخلاص، لأن الزواج "مؤسسة لها شروطها التوافقية".
وعلى الأهل، بحسب أبو السعود، أن يعوا أن وجود الفتاة مع أهلها قد يكون أفضل من زواجها بشخص لا يناسبها، فالأمان المتواجد عند الأهل والمتوفر لدى الفتاة يدعوها للشعور بالراحة حتى لو لم تتزوج؛ لأن الزواج ليس نهاية الحياة.
تتعدد الآثار النفسية للفتاة غير المتزوجة، وفق اختصاصي علم النفس في جامعة العلوم الإنسانية د. حسين المجالي الذي يرى أنها بالمجمل قد تكون أقل عند وجود أكثر من فتاة في البيت الواحد، إذ قد يألفن الأمر ويستأنسن بحالتهن في الأسرة الواحدة.
ويؤكد المجالي أن الأثر النفسي لدى وجود أكثر من فتاة غير متزوجة بالمنزل يخفف العبء على الفتاة نفسها، غير أنه يتراكم عند الأهل بشكل كبير، لأن لديهم أكثر من ابنة لم تتزوج، والحل يكون من قبل الأهل بالدرجة الأولى، في استيعاب النظرة المجتمعية ومحاولة إيجاد حلول كتخفيف المهر وتيسير سبل الزواج، ودمج الفتيات في المناسبات الاجتماعية المختلفة.
ومنعا من أن تتأثر الفتاة وشقيقاتها غير المتزوجات في المنزل الواحد بآثار سلبية، ينصح اختصاصي علم الطاقة عبد الناصر جرار أن يكون لدى الفتاة عمل أو هواية ليشغلا تفكيرها، منعا من تكاثف الطاقة السلبية على حياتها.
ويضيف جرار أن على الفتيات غير العاملات أو العاملات اللواتي يعانين من ضغوط لأنهن لم يتزوجن؛ أن يعملن على التفكير بالمستقبل، ورؤية أن الآتي أفضل وإيجابي، من خلال التأمل بكل الإيجابيات والنظرة المستقبيلة الإيجابية أثناء التفكير.
ويعتبر أن ممارسة الرياضة قد تعمل على تخفيف الطاقة السلبية وشحن الطاقة الإيجابية إذا مارستها الفتاة بطريقة إيجابية وسليمة، كما أن الطاقة الفضلى تتجدد في إكثار الفرد، بغض النظر عن ديانته، من الصلاة والتسبيح اللذين يعملان على جلب الراحة والتفاؤل بالمستقبل.