رتابة تعصف بالعلاقة الزوجية
جرش نت - حالة من الفتور والملل تسيطر على الثلاثينية مها العزام، بعد ثماني سنوات من الحياة الزوجية، وما آلت إليه من شروخ في علاقتها مع زوجها، حتى أصبح الأمر لا يطاق بالنسبة إليها.
هي مرحلة من الفتور العاطفي تسيطر عليها، وتخيم على علاقتها بزوجها، حتى وصل بها الأمر أنها لم تعد ترغب في البقاء في المنزل أو حتى مجالسة أطفالها الصغار، تقول "يقتلني الشعور بعدم أهمية وجودي في المنزل"، بحسب وصفها لشعورها جراء الروتين.
وتسيطر على البيت، وفق مها، حالة من الكآبة والصمت، وهي الحالة نفسها التي دفعت بزوجها للوصول إلى هذا الإحساس أيضا، موقنة أن ضحايا
الفتور العاطفي لن تقتصر على العلاقة بين الزوجين، بل ستطال أطفالهما الذين لا ذنب لهم، على حد قولها.
الأربعيني محمد القاضي، الذي مر على زواجه عقد من الزمن، يستسلم لحالة الفتور التي اجتاحت زواجه مؤخرا؛ إذ يقول: "اختنقت من اللامبالاة التي تسيطر على زوجتي، والروتين الذي يسود حياتي".
ويبين أن النمطية السائدة في منزله باتت تخنقه وتسيطر على تفكيره، فلم يعد يطيق المكوث في البيت أكثر من ذلك، في ظل الإهمال الذي يواجهه وعدم الاهتمام الكافي به وبعاطفته.
ويجد القاضي أن الطلاق هو الحل الذي توصل إليه بعد استنفاده السبل كافة، مبينا أن البحث عن حلول يزيد الوضع سوءا والأمر تعقيدا.
"تنجم بعض الآثار السلبية عن الفتور الذي يسود العلاقة الزوجية، خصوصا عندما يصل الزوجان إلى مرحلة تتوقف فيها المشاعر بينهما"، وفق قول الاستشاري الأسري أحمد عبدالله، الذي يبين أن الملل يكمن في عدم تلبية الحاجات النفسية عند كلا الزوجين، الأمر الذي يؤدي إلى أن تفقد الحاجات الأخرى جماليتها، فتحتل العلاقة مشاعر سلبية بدلا من الإيجابية.
ويؤدي الفتور، وفق عبدالله، إلى جعل الحياة رتيبة في البيت وروتينية أكثر؛ حيث يتحول البيت إلى بيئة طاردة للزوج والأبناء كذلك، مبينا أثرها على تربية الأبناء الذين يأخذون نماذج حياتهم من حياة ذويهم الزوجية، ما يؤدي إلى إنشاء طفل لا يستطيع التعبير عن مشاعره وإنما ناقل لتجربة والديه.
ويلفت عبدالله إلى أن الفتور بين الزوجين ليس شعورا، وإنما سلوك يمارس؛ فالإيجابية وتبادل المشاعر بين الزوجين أمران متطوران باستمرار يرتبطان بالسلوكات، التي يجب النظر إليها من الزوجين، من خلال استذكار المواقف والتصرفات التي كانت تشعل المشاعر بينهما وتكسر روتين الحياة.
عندما تتحدث عن الفتور، فيعني الحديث عن مستوى منخفض من التعامل في العلاقة الزوجية، بحسب اختصاصي علم النفس الدكتور أحمد الشيخ، الذي يعده مؤشرا لحدوث مشاكل بين الزوجين.
وتمر عملية الزواج، وفق الشيخ، بمراحل وتوقعات ليس بالضرورة أن تكون كلها حالات فتور، وإنما فيها نمطية أو انخفاض في التواصل والرغبة بالشريك، الأمر الذي ينطوي على مشاكل، داعيا إلى النظر إلى الفتور في العلاقة الزوجية من قبل الزوجين للبحث في أسباب حدوث ذلك، لأنها مسؤولية الطرفين؛ حيث تظهر التغييرات مع وجود أول فرد في الأسرة.
"ينطوي الفتور على مشاعر عدم قبول الآخر وهنا تكمن المشكلة؛ إذ لا يمكن النظر إليه من ناحية روتينية، لاسيما وأنه من غير الضروري أن تتسم جميع العلاقات الزوجية بالفتور؛ حيث يظهر الأثر السلبي الذي يلحقه الفتور في نفسية الأبناء"، حسبما يقول الشيخ.
وتجد خبيرة العلاقات الزوجية الدكتورة نجوى عارف، أن الأصل أن تكون هناك وقاية للعلاقة الزوجية، حتى لا تصل إلى فترة الفتور، معتبرة الوصول لها تمهيدا للانفصال الذي لا يفضل الوصول إليه.
وتدعو عارف إلى البحث عن وسائل جديدة لإنعاش العلاقة الزوجية، ويمكن البدء بذلك من خلال تغيير الشكل الخارجي لكل من الزوجين، ولو بأمور بسيطة؛ مثل تغيير ديكور البيت، والاهتمام ببعض الهوايات المشتركة التي تجمعهما معا، إلى جانب إدخال بعض الأمور الجديدة على الحياة الزوجية، لاسيما تلك الأمور التي لم يتطرقا إلى عملها.
"يجب على الزوجين أن لا يتوقفا ولو للحظة عن التعبير عن الحب، حتى وإن كانت كل التصرفات تدل على حبهما لبعضهما ورؤية صور قديمة، كانت جمعتهما مع بعضهما، إضافة إلى عدم التوقف عن تأكيد الحب والانسجام"، بحسب عارف.
وتؤكد عارف أن الاستسلام هو أخطر شيء قد يلجأ إليه الزوجان في مثل تلك المرحلة، مشيرة إلى الكثير من التأثيرات التي قد ترهق الطرفين، وتضر بعلاقتهما، التي يسودها الملل، كما تخلق نوعا من الكآبة أكاديميا واجتماعيا ونفسيا، وتسيطر المخاوف على تفكيرهما خوفا على العائلة ونهايتها.