طلبة يدمنون المخدرات حبا في التجربة ويمضون إلى التهلكة لولا العلاج المبكر
جرش نت - الفُضول وغيابُ الوعي سببان أسقطا "أيمن" و"أحمد" إلى هاوية الحياة، فبعْدَ أنْ هاجرا بطموحٍ مُرتفعٍ، راغبين الإبحار في علوم المعرفة، والعودة إلى الوطن بأعلى الشهادات؛ عادا بعد أعوامٍ طِوالٍ، يحملانِ مرضاً خطيراً، يتطلبُ علاجاً مُستعجلاً من ذوي الاختصاص، وصبراً واحتواءً ضرورين من أهل المُصاب.
بدأت حكايتُهُما مع المرض قبل نحو عشرين عاماً، أحدُهُما في الهند، والآخرُ في أميركا، حين أقدما عن جهلٍ، وبدافع الفضول على تعاطي مادة الهيرُوين المُخدرة. يقول أيمن (41 عاماً): "كان الهيروين مُنتشراً بكثرةٍ في الهند، وكنت صغيراً أجهلُ مضارّهُ، كمُعظم الأشخاص في تلك الفترة، فجربتُهُ ثم أدمنتُهُ ثمانيةَ أعوامٍ مُتواصلةٍ، تأثر خلالها وضعي الاجتماعي، والمادي، والدراسي، ثُمّ عدتُ إلى الأردن، لأُفاجأ بعدم توفره كما في الهند، فتركتُهُ مجبراً حتى تعرفتُ على صديقٍ أرشدني لأماكن توافره في الأردن".
عاد "أيمن" إلى إدمانه من جديد، وكان ذلك في العام 2004. يقول "استمر حالي بالتدهور من سيئ إلى أسوأ، حتى العام 2008، حيثُ قرّرتُ اللجوء إلى مركز علاج المُدمنين للتخلص من السُّم القاتل الذي لو كنتُ أعلمُ عواقب تعاطيه لما اقتربتُ منه".
يواصلُ أيمن علاجَهُ إلى الآن، في المركز، التابع لإدارة مكافحة المخدرات، حيثُ يراجعُ كلّ فترةٍ المركز، خاصّة إنْ شعر بعوارض انتكاسةٍ قادمة، فالمدمن بحسبه، مهما تخلّص من تاريخه مع الإدمان؛ يبقى جسمُهُ راغباً لمادةٍ سبق تعاطيها.
من الحكايات التي أثّرت في نفس أيمن، فشجّعتهُ لهجر إدمانه، حكايةٌ حدثت معَهُ في أوّل أيّام العيد، حيث يقول "خرجتُ من المنزل مُسرعاً صبيحة العيد، دون إلقاء التحية على من يشاركني الحياة فيه، وقدت سيارتي باحثاً عن أقرب مكانٍ أجدُ فيه جُرعةً تُطفئ حاجتي، خلال طريقي صادفتُ أطفالاً مُبتهجين بملابس العيد، والبسمةُ تعلو وجوههم، ورجالاً مُتأنقين يقودون عائلاتهم لصلة الرّحم، فتذكرتُ أنّي خرجتُ من المنزل دون أن أبدل ملابسي، ولا أن أغسل وجهي! كل ذلك بسبب جريي خلف مادة مُدمرة! فدعوتُ الله أن يحررني من هذه المُصيبة، وأن يُعيدَني بشراً طبيعياً كَمن حولي".
ولا يختلف وضع أحمد (43 عاماً) كثيراً عن وضع سابقه، حيثُ أدمن في ذات الفترة، وللأسباب نفسها، لكن في أميركا. يقول "طريق المخدرات صعبٌ ومُدمّر، يستنزفُ الموارد المالية، ويقضي على العلاقات الاجتماعية، ونهايتُهُ الخسارة والنّدم".
لجأ أحمد إلى مركز علاج المُدمنين العام 2006، بعد مواصلة إدمانه في الأردن لمُدّة 13 عاماً، وكان أهلُهُ هم من شجعوه على اتخاذ هذه الخطوة، يقول "اكتشف أهلي إدماني من تصرفاتي غير الطبيعية، فالإدراك للمُحيط يَغيب عن المُدمن، والقيم تتلاشى منه، غير فقدانه للشهية، واضطراب نومه، وزيادة مصاريفه، هذه أمور لازمتني، فتنبه عليها أهلي، ثمّ عملوا جاهدين لتعديل سلوكي".
ويضيف "الحمد لله أنّي هجرت هذا السُّم منذ التحاقي للمركز، صحيح أنّي أحنُ له، وأنّ انتكاساتٍ تصيبُني بين الفينة والأخرى، لكنّي أعملُ على محوها بمحض إرادتي، فأستمر بمراجعة المركز، وطلب العون منه".
ومما أثّر في نفس أحمد خلال إدمانه، فحفّزهُ على ترك المُخدّر؛ رؤيته لمن حوله من أبناء جيله، مع عائلاتهم الخاصة، وبمراكز مرموقة في العمل، وعلى درجة من الثقافة، وهو ما يزال في بداية الطريق! مُعلّقاً "لولا السُّم الذي كنت أتعاطاه، لتفوّقتُ على كثيرٍ من أبناء جيلي، فما أملكُهُ من إمكانيات عظيم، لكنّهُ مُدَمّرٌ أمام إدماني".
ويُوجّهُ نصيحةً إلى جيل الشّباب "إلى من لم يُجرّب المخدرات؛ لا تحاولوا الاقتراب منها، مهما صارَعَكُم الفضول، فطريقُها مُدمّرٌ لا محالة، فالإقدام على تعاطيها، كالإقدام على القفز من الطّابق السابع".
أما عمرو، الطالبٌ في إحدى الجامعات الخاصّة، وعمره 23 عاماً، فتعرّف على الحشيش من خلال صديقةٍ له، واستمر بتعاطيه أربعة أعوام، إلى أن ضبطَهُ أخوهُ الأكبر، فقام والدُهُ بإرساله إلى مركز علاج المدمنين، وله الآن نحو شهر، يقول عمرو "أشعرُ بالندم على كل ما سببته لنفسي، ولا أُلقي باللّوم على أحد، فأنا اخترتُ هذا الطريق بمحض إرادتي، وكل ما أرجوه الآن؛ الخروج من المركز بروحٍ مختلفة، وإكمال تعليمي الجامعي، إضافة إلى مراجعتي لطبيبٍ نفسيٍ يساعدُني على التخلُّص من أي أثر سلبي راكمَتهُ لديّ مادّة الحشيش"، ويتمنى عمرو من ذويه احتواءَهُ، وتقبله من جديد، دون فتح ملفات الماضي معه.
كما يبدو، فالمخدرات تستهدف بالدرجة الأولى الشباب الجامعي حول العالم، وها هي بعد عشرين عاماً تتفشى في أروقة جامعاتنا الأردنية، ليصل مجموع المتعاطين المضبوطين من الطلبة الجامعيين، بحسب إحصائية من إدارة مكافحة المخدرات، في العام الماضي إلى 235 حالة، بينها 179 شاباً أردنياً، و56 شابا من جنسياتٍ أُخرى، أمّا مجموعُ الفتيات المضبوطات؛ فوصل إلى 92 فتاة، بينهن 76 فتاةً أردنيةً، و16 فتاة من جنسياتٍ أخرى.
امّا وائل (22 عاماً)، وهو طالبٌ جامعيٌ كذلك، فيؤكد أنّه التحق بمركز العلاج، لتفادي تدمير حياته قبل فوات الأوان، خاصّة حين شاهد ما آلَ إليه حالُ بعضٍ من أصدقائه المُتعاطين، ويقول: "حياتي تغيرت منذ تعاطيّ الحشيش، فأصبحتُ أُسيء معاملة عائلتي، وأسرق من مالهم بالخفاء، كما حَزِن والدي لحالي كثيراً، فوصلتُ لدرجةٍ ندمتُ بها على كل ما فات، وقررتُ العودة إلى سابق عَهدي، على الأقل لأعودَ كما ربياني".
ويقول سليم (21 عاماً): "تعاطيتُ الحشيش عن طريقِ صديقٍ لي في الجامعة، فقد كان تعاطيه ظاهرةٌ مُنتشرةٌ بين الشباب الجامعي! أو أقرب ما يكون إلى للموضة، ولا تقتصر هذه الموضة على الشباب، بل تمتدُ كذلك لتصل إلى الفتيات". يُبين سليم أنّهُ التحق بمركز علاج الإدمان بعد أن قرأ عن الإدمان ومضارّه بشكلٍ مُوسّع، فأدرك حجم الكارثة التي يُسلّمُ نفسه لها! فقرر الإسراع بالعلاج قبل فوات الأوان.
أُم جهاد، والدةٌ فوجئت بإدمان ابنها الأكبر، لحبوب تُشبه بشكلها وحجمها حبوب الدّواء، فتقول "كان ابني يُداوم على تناول تلك الحبوب، وكنت أجهل حقيقتها! كنت أظنه يتناول أحد أدوية الصداع، لكني اكتشفت من جارتي، التي وقعت عينيها على أحدها، أنّ هذه مادة مُخدرة، يجري خلفها الشباب الجامعي للحصول على الطاقة والنشاط".
ألحقت أم جهاد ابنها بمركز علاج المدمنين، بعد عامين من الإدمان، وها هو الآن يوافق بين دراسته وجلسات العلاج في المركز، لتفادي الوقوع بفخ الحبوب المخدرة من جديد.
وعن أساليب العلاج في المركز، يُشير مدير مركز علاج وتوقيف المدمنين مازن المقابلة إلى المراحل الأولى لعلاج المدمن، والتي تبدأ عن طريق العلاج الدوائي، وهي مرحلة إزالة المواد السامة من جسم المريض، فيما تشمل المرحلة الثانية إعادة تأهيل سلوك المدمن، وهي تختلف حسب نوع المادة والظروف الشخصية للمريض، وصولاً إلى الرعاية اللاحقة للمريض بعد خروجه من المركز، وتمتد من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، والهدف منها التواصل مع المريض وتقديم النصح والمشورة له ولأسرته، وإجراء الفحوصات المخبرية اللازمة، حيث تكون بشكل دوري ومفاجئ.
بالرغم من خضوع بعض المُتعاطين والمُدمنين لجلساتِ علاجٍ مع جهاتٍ متخصصة، إلاّ أنّ العدد الأكبر منهُم لا يزالُ يعزِلُ نفسهُ عن المُجتمع المُحيط، خوفاً من تُهّمٍ ونظراتٍ ستُلاحقه طيلة العمر، فهُم بنظر المُجتمع، من الفئات "المُتراجعة أخلاقياً"، التي تتفاخرُ بسلوكها السيء! لكنّهُم بالحقيقة مرضى مساكين، يحتاجون لرعايةٍ خاصّة، وكلماتٍ مُشجّعة تنتشلهم من وضعهم الخطير، وتُبعدهُم عن التعاطي، الذي من أحد أسبابه بالدرجة الأولى؛ رفيق السُّوء، حيثُ وصلت نسبة المُتعاطين للمادة المُخدرة بسبب صديق إلى 81.6 %، بحسب دراسةٍ أجراها مركز علاج المُدمنين، بالتعاون مع وكالة الأنباء الأردنية، حيث أجريت الدراسة على 152 متعاطٍيا.
أمّا سبب التعاطي الثاني، بحسب الدراسة، فكان حب التجربة والفضول، حيث وصلت نسبة المُتعاطين بسببه إلى 61.2 %، والسبب الثالث كان؛ الجهل بطبيعة المادّة المُخدرة، فوصلت نسبة المُتعاطين بسببه إلى 60.5 %، وكان السبب الرابع؛ الفراغ والوفرة المادية، فعدد المُتعاطين بسببه 38.2 %، والسبب الخامس كان الإهمال والتفكك الأُسري، حيث وصلت نسبة المُتعاطين بسببه إلى 19.1 %.
وعن أسباب اللُّجوء للعلاج من التعاطي، فكان تدهوُر الوضع الصّحي هو السّبب الأول، حيث وصلت نسبتُه إلى 62.5 %، والسبب الثاني هو الخوف من التفكك الأسري، فكانت نسبته 52 %، أما الوازع الديني فقد احتل المرتبة الثالثة، فنسبة المتعالجين بسببه 47.4 %، بينما احتلت رغبة الأُسرة وتفهمها لمشكلة الإدمان، المرتبة الرابعة، حيث وصلت نسبة المُتعاطين بسببها إلى 46,7 %، وكان الخوف من العقوبة القانونية نصيب المرتبة الخامسة، فوصل عدد المتعاطين بسببه إلى 42.1 %.
ووفقَ الدكتور النفسي محمد الحباشنة؛ فإنه يصعُب على المُتعاطي اتخاذ خطوة العلاج، لسبب رئيسي، هو؛ النظرة الاجتماعية له، حيثُ يبقى مُتردداً بالإجهار عن المُصيبة التي ابتُليَ بها، خوفاً من ألسُنٍ تذُم، وأعيُنٍ لا ترحم.
ويؤكد الحباشنة على ضرورة احتواء الشخص المُصاب بالإدمان، ومساعدته للخروج من حالته، فإن حصل ذلك، سيتقدم الكثير من المدمنين الراغبين بتغيير حالهم إلى مراكز العلاج، بل وسيصبح النقاش أساساً لا بد منه بينهم وبين ذويهم.
ويقول "بعض الأشخاص يمتلكون استعداداً جينياً للإدمان، وهم الأكثر عُرضة له، ومع ذلك فالجميع مُهدد بخطر الوقوع في شباكه"، وينصح الحباشنة المتعالجين الجُدد بضرورة شغل كافّة أوقاتهم، حتى لا يُفكروا بالمادة المُخدرة، التي سيبقى ذكرُها بداخلهم مهما ابتعدوا".
وعن المحاضرات الدينية وخطب الجُمعة، يقول الناطق الإعلامي باسم لجنة نقابة العاملين في الأوقاف حمزة البطوش؛ إنّهُ للأسف لا يوجد برامج تعاوُن بين إدارة مُكافحة المُخدّرات وأئمّة المساجد، لكنّهُ يطالب الإدارة بإيجاد منهجية، مُتفقٌ عليها بينهم وبين وزارة الأوقاف، حتى يساهم الأئمة بنشر الوعي بين الناس ولزرع وازعٍ ديني، ولتبيان خطر المخدرات، وما تفعله بجسم الإنسان. لكنّهُ لم ينفِ أنّ بعض الأئمة يتناولون مثل هذه القضايا، وذلك باجتهادٍ شخصي منهم.
وبحسب دائرة الإفتاء العام؛ فإن المخدرات محرمة شرعاً، حيث ذهب العلماء إلى تحريم كل ما يزيل العقل كالبنج، والحشيش، والأفيون وغيرها من المواد المُذهبة للعقل، لما فيها من ضرر محقق "لا ضرر ولا ضرار"، باستثناء البنج المستعمل للتداوي من قبل الأطباء المختصين، حيث تعتبر المخدرات بكافة أنواعها وأسمائها طبيعية أو مصنعة؛ مُسْكِرة أو مفترة، حيثُ تحدث نفس أثار الخمر في الجسم والعقل، بناءً على ذلك هي محرمة شرعاً، سواء أكانت مشروباً سائلا، أو مادة جامدة، أو مأكولاً.
وتشير الإحصائيات، بحسب مدير إدارة مكافحة المخدرات العقيد مهند العطار؛ إلى أن عدد القضايا المضبوطة في العام الماضي، وصلت إلى 3919 قضية، و469 قضية إتجار، و3450 قضية حيازة وتعاطي للمواد المخدرة.
فيما بلغ عدد الأشخاص المضبوطين بقضايا المخدرات 6293 شخصاً، بينهم 1290 شخصاً بقضايا إتجار بالمواد المخدرة، و5003 أشخاص بقضايا حيازة وتعاطي المواد المخدرة، ولفت العطار إلى أن مجموع ما تم ضبطه من الحبوب المخدرة هو 20885044 حبة، كما تم ضبط مليون و759 الف كيلو غرام من مادة الحشيش المخدر، والتي تعتبر الأكثر انتشاراً بين الطلبة الجامعيين، وضبط 92,403 كيلو غرام من مادة الهيروين المخدر.
وبحسب إحصائية من مركز علاج وتوقيف المدمنين، للفترة من 1/ 1/ 2011 ولغاية 30/ 9/ 2011، فقد تم معالجة 393 حالة، تنوعت بين تعاطي هيروين، وحشيش، وحبوب، ومواد أخرى، لكن نسبة التعاطي الأعلى كانت من نصيب الحشيش، ومن الفئة العمرية بين 20 إلى 30 عاماً، حيث وصلت إلى 98 حالة، تليها الحبوب 57 حالة، والهيروين 13 حالة.
يُذكر أنّ مجموع المُتعاطين في العام 2010؛ وصل إلى 492 حالة، أغلبهم كذلك من الفئة العمرية بين 20 إلى 30 عاماً، والنسبة الأعلى للتعاطي كانت من نصيب الحشيش والحبوب والهيروين أيضاً.