إزهاق النفس على طريقة البوعزيزي يجد التقليد في الأردن
يبدو أن تقليد البوعزيزي بدأ ينتشر بين صفوف الأردنيين بعد إقدام مواطن أردني يدعى أحمد المطارنة على إحراق نفسه في وسط العاصمة عمان عقب فقدانه وظيفته وانفلات الديون عن سيطرته. وبعده بومين أقدم مواطن آخر على إزهاق روحه على النحو نفسه في منطقة حي نزال إلى الشرق من عمان. ويقول نقيب المحامين الأردنيين السابق صالح العرموطي لدويتشه فيله إن هناك حراكا قويا في الساحة الأردنية منذ عام كامل وظروفا اقتصادية صعبة ومديونية تتجاوز سبعة عشر مليارا، ويضيف أن ما حصل لأحمد المطارنة هو "نموذج لحالات كثيرة في الأردن نتيجة الجوع والفقر والحرمان وعدم المساواة خلافا لما نص عليه الدستور".
"المواطن شعر بعد عام كامل من الحراك أنه يزداد فقرا"
ويضيف نقيب المحامين العرموطي أن المطارنة شعر بالظلم بسبب إحالته على التقاعد النسبي بعد مضي اثنين وعشرين عاما في المهنة، وأنه لم يجد من ينصفه، ولم يتجه إلى القضاء، وانعكس ذلك الشعور السلبي عليه وأصيب بجنون الصدفة، المفاجئ، وقام بحرق نفسه حتى لا يواجه الواقع الاجتماعي الذي يعيشه، وأكد أن "من واجب الدولة بموجب الدستور الأردني أن تكفل العمل والتعليم والطمأنينة". وحث العرموطي أصحاب القرار على إعادة النظر في تشريعات البطالة وتأمين العاطل عن العمل بمظلة تكافل وضمان اجتماعي. شعارات المظاهرات الشعبية تعبر عن مطالب طال انتظارها
وبشأن انتشار الانتحار على طريقة البوعزيزي بعد مرور عام كامل على الحادثة في تونس، يعتبر القانوني الأردني أن المواطن كان يتوقع أن تتمخض عن الحراك المتواصل منذ عام من الوقت إصلاحات اقتصادية ملموسة، كتقليص حجم البطالة وخفض مستوى المديونية والحد من الفقر وتحقيق المساواة، لكن المواطن "شعر انه يزداد فقرا". ويقول العرموطي إن "على المطبخ السياسي أن يدرك ما يحصل في المنطقة، وفي الشارع الأردني والشعارات التي يرفعها الاصلاحيون من نقابات وأحزاب سياسية" ، ويؤكد أن "الفوضى والفقر والبطالة والجوع تؤدي إلى العنف". ويشير إلى أن المواطن بات يشعر بالغربة في وطنه، ولم تعد هناك طبقة وسطى "وهناك طبقة معدومة تشعر بالحرمان والتهميش والإخفاق".
"بين الرماد وميض نار"
وخلص العرموطي إلى القول إن "من قام بإحراق نفسه أراد توجيه رسالة مفادها أن الوضع وصل إلى الخطر بعد اليأس والإحباط والضغوط النفسية"، معتبرا أن أحمد المطارنة ليس شابا مراهقا حتى يقدم على الانتحار بهذه الطريقة، لكنه كما تقول زوجته "عزل عن وظيفته قبل إحالته على التقاعد، ولديه ابنتان في الجامعة، وأسرته مكونة من خمسة عشر فردا كما انه لم يجد لقمة الخبز في منزله". من جانبه يقول الدكتور خالد الشراري أستاذ التربية والعلوم الإنسانية في جامعة البلقاء التطبيقية في حوار مع دويتشه فيله إن ظاهرة الانتحار جديدة على المجتمع الأردني، ولم تكن مألوفة في السابق "وهي في واقع الحال ، تقليد أعمى لما حدث للبوعزيزي وغيره." ويضيف الشراري أن الشخص قد يقدم على الانتحار بسبب الفقر والمشقة في الحياة دون حساب للعواقب، ويرى أ هذه الظاهرة "قد تكشف للمسئولين والحكومات أن بين الرماد وميض نار وأن هناك خطرا محدقا ، عامله اقتصادي ومنشأه الفقر الاجتماعي" ، لكنه يستدرك ويقول إن هناك ألف طريقة لإيصال الصوت للجهات التي تتحمل المسئولية في البلد دون قتل النفس.
غضب شعبي من تأخر وعود الإصلاح، والقضاء على الفساد "الانتحار يعبر عن مفهوم الاغتراب في المجتمع"
ويؤكد الدكتور خالد أن هناك سببين رئيسيين يجعلان الإنسان يقدم على الانتحار. فالأول أنه "لا يتمسك بقيم دينه" ، والثاني أن الواقع قد أظلم في عينيه، وأصبحت الدنيا كلها جحيما في نظره. ويخلص إلى أن الانتحار يزيد من محنة أسرة المنتحر، خاصة إذا كان لديه أبناء، ويحذر في الوقت نفسه من أن "تفشي هذا الفعل يأتي بالوبال على المجتمع" ، وينبه المسئولين إلى أن "هناك أناسا يعانون ويرزحون تحت الضيم والفقر والظلم والفساد". إلى ذلك يرى الناشط في الحراك الأردني شاكر جرار في حوار مع دويتشه فيله أن وقوع حالات انتحار على طريقة البوعزيزي كان متوقعا في ظل "انسداد الأفق في الأردن من الناحية الاقتصادية بالأخص"، ويشير إلى أن الإنسان له قدرة معينة على التحمل، وأنه "إذا رأى أن وضعه الاقتصادي يتدهور وانه لا يستطيع إطعام أبنائه، فانه من الممكن أن يتبع أي أسلوب سواء كان مقبولا أو غير مقبول على المستوى الإنساني". ويقول جرار إن الانتحار ظاهرة اجتماعية تعبر عن مفهوم الاغتراب في المجتمع وعدم الانتماء له بسبب صعوبة الظروف الاقتصادية، ويضيف أن البوعزيزي رأى أن حرق نفسه هو الطريقة الأفضل لجلب الاهتمام لوضعه الاقتصادي الصعب، وأن الشيء نفسه حصل في الأردن محملا "السلطة السياسية المسؤولية، باعتبار أنها مكلفة بتأمين الحد الأدنى من المعيشة والأمان للمواطن."
"ظاهرة الانتحار بحاجة إلى دراسة متأنية من قبل الخبراء"
النظام الأردني يواجه نقمة شعبية، والمطلب الأول هو الإصلاح السياسي والاقتصادي بين الناشط الأردني أن عدم مقدرة السلطة السياسية على تامين الحياة الاقتصادية الكريمة للمواطن يؤدي إلى وقوع مثل هذه الحالات من الانتحار، ولا يرى جرار أن "النهج الاقتصادي المتبع في الأردن قابل للإصلاح"، ويؤكد أن نشطاء الحراك الشعبي في الأردن ماضون في مطالبهم، وعلى رأسها تحسين مستوى المعيشة. من جهته يقول الكاتب والمحلل في جريدة الدستور الأردنية، والمحاضر في قضايا التنمية والشباب، عبد المجيد جرادات في حوار مع دويتشه فيله إن المعايشة الأردنية للواقع الذي دفع البوعزيزي للانتحار أدت إلى وجود مثل هذه الظاهرة التي هي بحاجة إلى دراسة مستفيضة من قبل علماء الاجتماع والنفس، وخبراء العلوم الاجتماعية، ويرى أن ظاهرة الانتحار تعكس روح القنوط واليأس لدى الإنسان.