تحديات اجتماعية صعبة تواجه حكومة الإسلاميين في المغرب
وجد عبد الإله بنكيران نفسه وسط جمع من "المعطلين" يحاول ثنيهم عن الاستمرار في احتلال ملحقة تابعة لوزارة التعليم في العاصمة الرباط، لحظات قليلة بعد ترؤسه أول مجلس حكومي قبل أسبوع في الرباط. عفوية رئيس الوزراء المغربي لم تسعفه في إقناع هؤلاء بفض اعتصامهم المستمر منذ ذلك اليوم. مسيرات العاطلين عن العمل وسط العاصمة الرباط تزايدت بشكل لافت منذ تعيين بنكيران رئيسا للحكومة. مجموعات العاطلين تقاطرت على الرباط من مختلف مناطق المغرب للمكالبة بفرص العمل في القطاع العام والاعتصام في مقر حزب العدالة والتنمية الحاكم.
الأسوأ حدث في تازة (شمال وسط المملكة) حين تحول شنآن بين رجال الأمن وبعض المعطلين أمام مقر عمالة المدينة إلى مواجهات بالحجارة تورط فيها سكان أحد الأحياء الشعبية. هذه المرة غاب رئيس الحكومة عن واجهة الحدث، وتراجع الحديث عن 100 إجراء عاجل وعد الإسلاميون باتخاذه خلال المائة يوم الأولى من عمر الحكومة. بالمقابل هيمن تعثر الحكومة في إنهاء صياغة برنامجها وعرضه على البرلمان ليستكمل تنصيبها وفقا للدستور على متابعات الصحف المغربية.
مصطفى الخلفي وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، قال في حوار لموقع دويتشه فيله، إنه متفائل ومطمئن لقدرة حكومته على رفع التحديات الاجتماعية رغم جسامتها، موضحا المعطيات التي ستستند إليها الحكومة لحل المعظلات الاجتماعية وخصوصا بطالة حاملي الشهادات الجامعية ومعظلة الفقر.
إرث ثقيل
انتظارات كبيرة للشارع المغربي من حكومة الإسلاميين الطريقة التي اعتمدتها الحكومة السابقة في مواجهة المشاكل الاجتماعية تعقد أكثر مهمة الحكومة الجديدة. هذه الأخيرة ورثت عن سابقتها التزامات بتوظيف آلاف العاطلين في الوظائف العمومية لامتصاص غضبهم والحيلولة دون التحاقهم بمسيرات حركة 20 فبراير ومطالبها السياسية. والي بنك المغرب وقلة قليلة من نشطاء اليسار وفاعلين اقتصاديين سبق أن نبهوا إلى خطورة هذه السياسة وتأُثيرها السلبي على ميزانية الدولة. بنكيران يواجه اليوم تحدي الوفاء بالتزامات سلفه كما يواجه تحدي التطرف في مطالب العاطلين عن العمل الذين أصبحوا يطالبون بالإدماج المباشر دون اجتياز مباراة، كما هو شأن المجموعة التي دخلت في مواجهة مع قوات الأمن بمدينة تازة. إدريس بنعلي، الخبير الاقتصادي يلخص هذا التحدي في حواره مع دويتشه فيله بالقول "الدولة اختارت التنازل عن هيبتها مقابل شراء السلم الاجتماعي".
أياما قليلة على أحداث تازة برز تجلي آخر لهذا التحدي في مدينة أورير قرب أكادير (جنوب المغرب). سكان المدينة دخلوا في مواجهات مع قوات الأمن حينما حاولت هدم بيوت عشوائية سمح لهم ببنائها لتفادي الاحتجاجات. أكثر من ذلك كشفت يومية أخبار اليوم في عددها ليوم الثلاثاء 10 يناير الجاري، أن السلطات سمحت لمواطنين في طنجة (شمال البلاد) ببناء مساكن عشوائية فوق أراضي يملكها خواص تجنبا لالتحاقهم بمسيرة كانت تنوي حركة 20 فبراير جرهم إليها إذا ما هدمت بيوتهم.
الوعود التي قدمها حزب العدالة والتنمية للمواطنين خلال الحملة الانتخابية ساهمت في رفع حجم الانتظارات. يقول عبد الرحمان العزوزي، الكاتب العام لنقابة الفيدرالية الديمقراطية للشغل، في حواره مع دويتشه فيله بهذا الخصوص "الحكومة الحالية امتداد لسابقتها، بالتالي ما زلنا نطالبها بالوفاء بالتزاماتها معنا خلال جلسات الحوار الاجتماعي، في كل ما يتعلق بالزيادات في الأجور. هذا ما قلنا لرئيس الحكومة خلال أول لقاء جمعنا به. فضلا عن ملفات كبرى مثل صناديق التقاعد التي تعيش وضعية صعبة ويقترب جلها من الإفلاس".
حكومة بن كيران تواجه ظروفا صعبة

ومن جهته يرى إدريس بنعلي تحقيق هذه المطالب أمرا صعب المنال. "الظرفية الحالية داخل المغرب وخارجه لن تساعد الحكومة على الوفاء بكل التزامانها في الميادين الاجتماعية. عجز الميزانية وصل 5 بالمائة وهي نسبة مرتفعة. الأموال المخصصة لصندوق المقاصة الذي يدعم أسعار المواد الأساسية بلغت 45 مليار درهم خلال السنة الماضية، وهو مبلغ مرشح للارتفاع؟
الميزان التجاري للمغرب يستمر في العجز. كما أن موسم الزراعة الحالي يبدو صعبا مع تأخر التساقطات المطرية" يقول بنعلي في حواره مع دويتشه فيله، مؤكدا أن تحقيق نسبة نمو في 7 بالمائة كما وعد بذلك حزب العدالة والتنمية في برنامجه الانتخابي سيكون بالنظر لهذه الظروف من باب المستحيلات. "إذا حققت الاقتصاد المغربي نسبة نمو في 4 بالمائة فسيكون ذلك إنجازا في حد ذاته" يضيف الخبير الاقتصادي. بينما تسعى الحكومة لتحقيق معدل نمو5,5 في مائة.
فضلا عن الظروف الاقتصادية الاقتصادية تواجه الحكومة الجديدة مشاكل سياسية يمكن أن تعقد مهمتها في تلبية المطالب الاجتماعية. الحكومة المنتهية ولايتها أعدت مشروعا لإنشاء صندوق وطني للتضامن، من شأنه توفير موارد مالية لدعم ما يقارب 8 ملايين مغربي فقير بفضل مساهمات تضامنية تدفعها الشركات التي تحقق أرباحا طائلة. غير أن هذا المشروع سحب لأسباب غامضة. بعض المحللين اعتبروا سحب هذا المشروع خضوعا لضغوطات سياسية. الضغوطات السياسية ستواجه حكومة بنكيران في ملفات اقتصاد الريع والفساد، خاصة وأن حزب العدالة والتنمية اعتبر في برنامجه أن محاربة الفساد من شأنها توفير مداخيل مهمة لخزينة الدولة.
إطمئنان الإسلاميين

صعوبة الوضع الذي تواجهه حكومة الإسلاميين تلخصه المرتبة التي تحتلها المملكة على مستوى مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية. المغرب تراجع من المرتبة 114 إلى المرتبة 130 من أصل 187 دولة في تصنيف السنة الماضية.
بالنسبة للمعظلة الأساسية المتمثلة في تمويل المشاريع التي من شأنها تحقيق هذه الأهداف يبدو الخلفي مطمئنا "أكيد أننا سنواجه تحدي استعادة التوازنات الاقتصادية الكبرى، لكننا مطمئنون بخصوص المشاريع الاجتماعية. المداخيل الضريبية ارتفعت مؤخرا بأزيد من 600 مليار درهم خلال أربع سنوات، كما أننا وصلنا مرحلة جني ثمار المشاريع القطاعية الكبرى التي بذلن فيها استثمارات مهمة. المطلوب مطروح علينا ترشيد استغلال هذه الموارد وتوزيعها توزيعا عادلا".