توجان فيصل : علي أبو الراغب كان يلعب بدولة بأكملها، كما أنه كان يتكلم عن الملك نفسه بطريقة غير لائقة أيضاً؟!
جرش-نت
تواصل المعارضة السياسية والنانب السابقة توجان فيصل فتح خزائن أسرارها لصحيفة "في المرصاد" بعد أن كشفت في الجزء الأول من هذا الحوار وقائع مسكوتا عنها أثناء عملها نائبا في البرلمان، حيث تناولت اتصالاتها مع الملك الراحل الحسين التي قالت إنه كان مهتما بنشاطها تحت القبة وخارجها. وأوضحت أن الملك كان يتابع جلسات النواب من خلال كاميرات سرية مثبتة في زوايا المجلس. ووصفته بأنه "كان متفوقاً جداً بالذكاء السياسي الدبلوماسي".
وقالت فيصل إن الملك عبدالله الثاني، بعد توليه الحكم مباشرة، أرسل الأمير علي بن الحسين من أجل ما سمته "تصحيح العلاقة بينها وبين القصر" في أعقاب تزوير الانتخابات الذي أدى إلى خسارتها مقعدها النيابي، وما تعرضت له من حملات واستهدافات تُسهب فيصل في استعراضها وبيان من تسببوا فيها.
في الجزء الثاني من هذا الحوار تكشف فيصل أنها أرسلت فاكسا للملك أبلغته فيه بخطورة التصرف بأراضي الخزينة. كما تتناول تطور علاقتها بالإخوان المسلمين، وموقفها من رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري الذي تقول إنه "يتلوّن حسب المرحلة"، كما تكشف أن دور المعارض السياسي ليث شبيلات في برلمان 89 كان محدودا في التصدي لبعض ملفات الفساد، ولم تفلح محاولاته فيها.
وعن رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب، تقول فيصل إنه "كان يلعب بدولة بأكملها، كما أنه كان يتكلم عن الملك نفسه بطريقة غير لائقة أيضاً".
تاليا تفاصيل الجزء الثاني من الحوار الطويل والموسع مع توجان فيصل:
- أعود بك إلى العلاقة مع الاخوان، بعد السنة الأولى لك في المجلس. كيف تقيمين تلك التجربة؟
نعم، بعد السنة الأولى، الملك أراد فرض رئاسة سعد هايل السرور على المجلس، كان علي أبو الراغب قد ترشح والتجمع لن ينتخب علياً، وأنا قلت نكرر لأبي نشأت "طاهر المصري"، صحيح نحن لا نقر المصري على سياساته لأنه يتلون حسب المرحلة، وللأسف عند القضايا المهمة والمفصلية لا يتخذ المواقف المناسبة، ومستعد أن يغادر البلاد إذا كان هناك ضرورة لموقف حتى لا يتخذه، كان دائماً يفر من مواجهة الاستحقاقات فلا تجده لا أردنياً ولا فلسطينياً ولا عربياً.
- أراك تظلمين الرجل، فهو من المحسوبين على تيار الديمقراطية والمناداة بالمواطنة..
القول يجب أن يقترن بالعمل، لا أن تقول كلاماً ثم تصبح منتفعاً، لا يمكن أن يكون هذا موقفاً واضحاً، يعني على طريقة قلوبنا معكم وسيوفنا مع غيركم، أن تكون صالحا لكل شيء تصبح كالماء لا طعم لك ولا لونا ولا رائحة، هذا هو حال طاهر المصري.
إذن عملنا كتلة معارضة لكن لم نلتزام طبعاً بالتصويت وقلنا تشاروية لأن الاخوان كانوا اغلبية مطلقة فيها فلجأنا إلى اسلوب التشاور وخلق شكل من التوافق بين المعارضة في المجلس، وقتها كان الإخوان قد رشحوا عبدالله العكايلة ولا يريدون أبا نشأت (طاهر المصري)، قلت لهم لو رشحتم العكايلة لن تحصلوا إلا على أصواتكم وبعض الأصوات معكم، أي زهاء عشرين صوتاً، وتكونون بهذا التصرف قد حجمتم أنفسكم، ولذا أنصحكم أن تسحبوا مرشحكم للرئاسة وأنا أضمن لكم موقع نائب الرئيس، فقبلوا، كذلك كان عبد الرزاق طبيشات قد ترشح فقلت له يا أبا محمد انسحب لنا وتكون لك عندي واحدة، فقبل أيضاً، كان هدفي أن تكون الإرادة للمجلس لا للقصر في اختيار الرئيس، كان للاسلاميين تحفظهم على المصري وهو أيضاً كان يشك بهم، فذهبت واصطحبت أبا نشات (المصري) وعقدنا اجتماعا مع الإخوان في مقر جبهة العمل الاسلامي. قلت له نريد أن نرشحك، ولكن الإخوان يحتاجون منك أن تعطيهم ثقة، وهو طلب العكس، وتم إعطاء كل طرف الأمان للآخر، وفعلاً سلمنا أبا نشأت بعدها 41 صوتاً بالكودات أيضاً، رغم أن الكود غير دستوري، ولكن بما أن الخصم يستخدمه فقد فرضه علينا واستخدمناه، ولكن للأسف كما يقول الأردنيون "باق بينا" (أخلف معنا) وترك رسالة مع مدير مكتبه بأن زوجته مريضة، وأنه اضطر للسفر لعلاجها في لندن، وطبعا هذا الكلام عار عن الصحة تماماً. وهكذا تُركَت رئاسة المجلس للسرور.
الإسلاميون سحبوا العكايلة الأثقل وزناً ورشحوا العكور لمنصب نائب الرئيس، وكما وعدتهم فاز بخمسة أصوات أكثر من عبد الهادي المجالي بالمنصب، لكن بعد التصويت الأول تنقل النائب محمد داودية بينهم زاعماً أن عبد الهادي المجالي سينسحب، وأنا أصيح وسط المجلس أرجعوا واجلسوا لن ينسحب الآن سوف يشترون الأصوات، فقاموا للغداء وما أن عادوا حتى انقلبت الأصوات الخمسة لمصلحة عبد الهادي، فقلت لهم لو أنكم صبرتم قليلاً فشراء خمسة أصوات كان أسرع من شراء خمسة صناديق بندورة في سوق الخضرة.
المهم أن هذه التجربة جعلت الإخوان يفهمون الدرس ويعرفون بأني أشتغل سياسة وألتزم بما أقول، ومنها بدأنا علاقة تعاون على أسس سليمة، وصارت كتلتنا كمجموعة تشاورية حوالي 20-21 نائبا، ومن خلالها لم يعد هناك مجال لصفقات الإخوان مع الحكومة، وعملنا معاً لثلاث سنوات بشكل وثيق، والحساسية السابقة انقلبت موضوعاتها إلى تندر، ففي إحدى المرات مثلاً كان هناك موقف حاد من الحكومة وقلت لهم اسمعوا هذه المرة يجب أن نعلم الحكومة بأن المعارضة "مش مصلّية على النبي" فضجوا بالضحك وقال لي حمزة منصور يا سيدة توجان تريدين من الإسلاميين أن يقولوا للحكومة نحن لن نصلي على النبي؟!
بتقديري تلك الحالة كانت أفضل ممارسة ديمقراطية عرفها المجلس النيابي الأردني، وليس مجلس 89 الذي كان مقلباً كبيراً وأسطورة وهمية، فهو المجلس الذي ذهبنا في عهده إلى مدريد وهو المجلس الذي أراد سحب الثقة من حكومة طاهر المصري، بينما أعطى زيد بن شاكر ثقة كبيرة على نفس البرنامج، حتى ليث شبيلات كان دوره محدوداً في بعض ملفات الفساد ولم تفلح محاولاته فيها، حقيقة هذا الموضوع وقتها ما كان ليجدي أصلاً. أعتقد لو كنت في ذلك المجلس لركزت على الأمور الدستورية، لأن ذلك كان مجلسا يؤسس لمرحلة جديدة، وكان يجب أن تستثمر الفرصة على نحو دستوري.
- ليث شبيلات كان له كلام مهم في المسألة الدستورية داخل المجلس، ولكن الأمور تدهورت بعد ذلك بفعل القوانين المؤقتة، أليس كذلك؟
كانت القوانين المؤقتة أول ما اعترضت عليه، وكنت أحصيها وأجمعها. وقت علي أبو الراغب وصلت إلى 220 قانون مؤقت، كل تلك كانت تجاوزات خطيرة، حتى قصة أراضي الخزينة أنا بعثت بشأنها إلى الملك، كان الملك قد أعطاني رقم الفاكس الشخصي الخاص به، فأرسلت أسأله عن موضوع الأراضي، وقلت إذا كان هذا صحيحاً فهو خطير جداً، هذا الكلام له تداعيات وسيؤدي لانفجارات خطيرة، يعني تماماً كما قال ليث: "لغم تحت العرش سينفجر"، طبعاً أنا لا أعرف إن كان الفاكس وصل، أم أن هناك من يلعب أيضاً بالفاكسات، وليس هذا مستبعداً، فقد كان علي أبو الراغب يلعب بدولة بأكملها، ليس فقط ما قاله مؤخراً على الفضائيات بل أنه كان يتكلم عن الملك نفسه بطريقة غير لائقة أيضاً، لذلك شككت في أن يكون ما أرسلته إلى الملك قد وصله فعلاً، وقمت بنشر وثائق أراضي بعد إزالة اسم الملك منها، فهذا أمر لا يمكن دفنه وكأن شيئا لم يكن، فهذه أراض معروفة ولها أصحاب، والناس تعرف من أخذها ومن باعها، نحن في الأردن ولا يمكن أخفاء أمر كهذا، منها العديد من قطع الأراضي في وسط عمان، فكان لا بد من قرع ناقوس الخطر والتنبيه من هذه الممارسة، وقد تم اختيار هذه العملية الانتحارية للأسف.
- قال علي أبو الراغب بأن تلك الأراضي بيعت لأغراض تنموية..
تقصد قيل لأغراض خيرية، "لتغطية نفقات لأغراض خيرية" بالحرف الواحد قال ذلك. بالمناسبة نفس المحطة سجلت معي قبلاً وكان هناك عدة أمور واجهت بها علي أبو الراغب وكلها شطبت، فالمحطة عملت لخدمة أبي الراغب، فهو طلب المقابلة، وجاؤوني إلى البيت وأعطيتهم الوثائق التي منعت قبلاً من تقديمها في المحكمة، قالوا لي بعدها إنه: "كان مرعوباً جداً وبدت عليه الشراسة وكان ممكنا أن يكون مؤذياً فخفنا عليك"، لكن الحقيقة أنهم عملوا على خدمة علي أبو الراغب، وليس خوفاً على أحد.
لم يعد في الأردن ممكناً القبول بأقل من الحد الأدنى للإصلاح وهو الملكية الدستورية الكاملة، بعد كل هذا الكم من العسف والفساد، فرغم كل ما كان في عهد الملك حسين هناك أمور استطاع الملك حسين أن يحافظ عليها ليسمح للون الهيبة بأن يتركز في دوائره ويحافظ على مصداقيته، من بعده الأمور سارت باتجاهات جعلت من المستحيل أن تستمر الدولة من دون أن تكون ملكية دستورية. هذه قناعة، أنا كنائب معارضة كنت أجد من يقول لي جَسّري مع الملك، كان هناك أناس في المنتصف تريد الحفاظ على توازنات بين الملك والمعارضة تطالبني بذلك، الآن لم يعد هؤلاء موجودين.
ذلك الوقت كانت فيه تلك الدفقة من الديمقراطية هي التي تقوي الملك، بعد وادي عربة تدهورت الأمور، وترسخت قناعة بعدم إمكانية احتمال تلك الجرعة من الديمقراطية، وساءت الأمور أكثر وأكثر مع الوقت حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه.
- هل لو لم تأت وادي عربة، لكان من الممكن أن يتطور نظامنا السياسي إلى مستوى ملكية دستورية؟
لا أعتقد ذلك؛ لأنه للأسف في عالمنا العربي دائماً هناك لعبة "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، حتى الذين احترمناهم من القادة العرب لأن عندهم مشروع قومي أيضاً كانوا عوائق في وجه التحول الديمقراطي، لذا كنت أينما ذهبت أقول لهذه النظم طبقوا النظام الديمقراطي، حتى في العراق كنت أقولها لهم، ليس لأن الغرب ديمقراطي، بل لأنني أنصحكم بأن تتفوقوا على أنفسكم، للأسف مشكلة الدكتاتور أنه أسير اعتقاد بأنه يعرف أكثر من الجميع، بينما الديمقراطي هو الذي يعي أن مجموعة الأصوات الخافتة تصنع صوتاً عالياً، وأن المجموعة تكمل بعضها في الدراية والمعرفة، المجموع دائماً أفضل من الأفراد، الأفراد دورهم الريادة كرأس الحربة يفتحون الطريق أمام المجموع، ولكن الطريق المفتوح لا يتسع ولا يصبح طريقاً قابلاً للعبور إلا بالمجموع.
المصدر ( في المرصاد )