خبراء يؤكدون أهمية نجاح مبادرات مشتركة للقطاع الخاص في مضمار المسؤولية الاجتماعية
دعا متخصصون في الشأن الاقتصادي شركات القطاع الخاص من قطاعات مختلفة لتعميق وزيادة مبادراتها في مضمار المسؤولية الاجتماعية، سيما تلك التي تقع ضمن المفاهيم الحقيقية لهذا المجال الذي نشأ وتطور بشكل لافت خلال السنوات العشر الماضية.
وقال الخبراء إنّ المفاهيم الحقيقية للمسؤولية الاجتماعية يجب ان تتميّز بالاستدامة والاستمرارية والتأثير طويل الامد في تحسين الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات التي تعمل فيها هذه الشركات.
وأشاروا الى إمكانية نجاح "مبادرات أو صناديق مشتركة للقطاع الخاص من نفس القطاع أو من قطاعات اقتصادية مختلفة لخدمة برامج المسؤولية الاجتماعية"، شريطة أن تؤسس وفقا لأهداف وإجراءات تنفيذية واضحة بعيداً عن جو التنافس بين الشركات، وبعيدا عن روتين الحكومة واجراءاتها في تأسيس مثل هذه الصناديق المشتركة.
وأكدوا ان المبادرات المشتركة بين شركات من قطاع واحد او من قطاعات مختلفة من شأنها ان تشكّل اضافة توحد الجهود في تحسين الواقع الاقتصادي للمجتمعات المحلية، وتساعد حتى الحكومة في جهودها ضمن هذا الاطار لا سيما في معالجة ظاهرتي البطالة والفقر اللتين تحدثان تأثيرات سلبية كبيرة على الاردنيين مع ارتفاع نسب انتشارهما.
ويعرّف البنك الدولي المسؤولية الاجتماعية على أنها" التزام بالمساهمة في التنمية المستدامة من خلال العمل مع موظفيها والمجتمع المحلي والمجتمع ككل لتحسين مستوى معيشة الناس بأسلوب يخدم التجارة ويخدم التنمية في آن واحد ".
وأكد الخبير الاقتصادي والسياسي زيان زوانه أن القطاع الخاص في ظل اندماجه بقوة خلال السنوات الـ 15 الماضية في واقع الاقتصاد المحلي، بدأ بتقديم مفهوم المسؤولية الاجتماعية بأشكال مختلفة ومتفاوتة في مدى تأثيرها على المجتمعات المحلية وواقعها الاقتصادي والاجتماعي، بين اشكال تقليدية من تقديم الدعم المادي والعيني قصير الامد الى المعونات طويلة الامد، والمشاركة في دعم مشاريع وتوفير فرص عمل وتدريب، فضلا عن الانخراط في حل مشاكل المجتمع المحلية والبيئة وغيرها من اشكال المسؤولية الاجتماعية.
وقال زوانه ان هذه المبادرات المنفردة من قبل الشركات على اختلافها " يمكن ان تتحول الى مبادرات مشتركة بين شركات القطاع الخاص توجّه نحو هدف محدّد او لمعالجة قضية محددة كالبطالة مثلاً، او تتجّه لمنطقة جغرافية ومجتمع محلي محدّد"، وهو الامر الذي من شأنه أن يعطي قوة كبيرة لمثل هذه المبادرات ما يجعل تأثيرها أكبر وأعمق على المجتمعات المحلية".
ويعتقد زوانه بامكانية نجاح مبادرات مشتركة بين شركات القطاع الخاص في باب المسؤولية الاجتماعية اذا ما جرى التنسيق لها بشكل صحيح ضمن اهداف واضحة، وتوزيع مسؤوليات ومهام بين الشركات المشتركة في هذه المبادرة.
وطرح فكرة تأسيس "صندوق مشترك بين شركات تعمل في نفس القطاع او المضمار ولكن على ان يؤسس بأهداف واضحة للعمليات والاجراءات والشرائح المستهدفة وباجراءات شفافة بعيدا عن السلبيات التي تشوب افكار تأسيس واعمال صناديق التمويل".
وكانت فكرة عمل مشترك لمبادرات في المسؤولية الاجتماعية طرحت على رؤساء شركات الاتصالات الرئيسة في السوق المحلية الاسبوع الماضي خلال مشاركتهم ببرنامج " مال واعمال" على التلفزيون الاردني حيث رحبوا بامكانية صوغ عمل مشترك في هذا الاطار، في وقت تعد فيه شركات الاتصالات من الشركات الرائدة في مجال المسؤولية الاجتماعية في المملكة حيث تتوزع مبادراتها على معالجة قضايا الفقر والبطالة ودعم التدريب والتعليم والصحة ونشر الانترنت.
الى ذلك قال زوانه ان المشاركة في مبادرة مشتركة في مضمار المسؤولية الاجتماعية ليس شرطاً ان تجمع شركات من نفس القطاع ولكن يمكن أن تجمع شركات من قطاعات مختلفة لخدمة منطقة جغرافية او محافظة معينة او واحد من جيوب الفقر.
واستبعد زوانه فشل مثل هذه المبادرات المشتركة على اعتبار أن المنافسة التجارية والمنافسة في ترويج مبادرات المسؤولية الاجتماعية المنفردة، يمكن أن تؤثر سلبا في اجتماع الشركات، قائلاً "على العكس من ذلك يمكن تجميع الجهود والاعلان عن هذه المبادرات المشتركة ونتائجها بشكل مشترك ايضاً".
وأضاف انه لدى التفكيرفي مبادرة او صندوق مشترك للمسؤولية الاجتماعية يجب ان يجري التركيز فيه على آلية تنفيذ سريعة وواضحة، مشددا على ان المبادرات المنفردة او المشتركة الحقيقية لمفاهيم المسؤولية الاجتماعية اصبحت ضرورة في ظل ما يشهد الاقتصاد من تراجع ومن مؤشرات سلبية لا سيما البطالة والفقر وما تحمله من تأثيرات سلبية على المستوى المعيشي للمجتمع المحلي والواقع الاجتماعي وحتى السياسي.
وعلى اختلاف المبادرات في باب المسؤولية الاجتماعية سواء كانت منفردة او مشتركة، يفرّق الخبير الاقتصادي حسام عايش بين المبادرات التي تقع ضمن المفاهيم الحقيقية للمسؤولية الاجتماعية، وبين تلك التي لا تقع ضمن المفاهيم الحقيقية له، مشيراً إلى ان مبادرات المسؤولية الاجتماعية يجب ان تتسّم بالاستمرارية والاستدامة من جهة، فضلا عن تميزها بتأثير طويل الامد على الافراد او المجتمعات المحلية كما هو الحال في المبادرات الموجهة لمعالجة قضايا الفقر والبطالة بتوفير فرص العمل او التدريب للحصول على مهنة.
وما تزال آفة الفقر تشّكل معضلة ومشكلة حقيقية في واقع الاقتصاد الأردني، ترزح تحت وطأتها آلاف الأسر الأردنية في شتى محافظات المملكة، في حين يؤكد خبراء اقتصاديون أن واقع هذه الظاهرة يتجاوز الأرقام الرسمية التي تظهر أنّ 13.3 % من إجمالي سكان المملكة يقعون تحت خط الفقر المطلق، فيما تقدر الارقام الرسمية نسبة البطالة في المملكة بـ 13.1 %.
ويتفق عايش بالرأي مع زوانة في إمكانية تطبيق مبادرات مشتركة بين شركات من نفس القطاع أو من قطاعات مختلفة، مؤكداً أهميتها فيما لو خرجت الى حيز الوجود، مشيراً الى انها ستكون إضافة قوية لجهود الحكومة او مؤسسات المجتمع المدني في تحسين الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات المحلية، كما ان تاثيرها سيشمل شرائح اوسع من المجتمع او مناطق جغرافية اكثر، كما ان تاثيرها سيكون طويل الامد.
غير انّ عايش دعا الشركات - حتى لو اجتمعت في مبادرات مشتركة - الى عدم الانصراف عن مبادراتها المنفردة لان ذلك من شأنه ان يعزّز التكاملية في الادوار التي تلعبها المبادرات وتأثيراتها.
وأكّد استاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك قاسم الحموري اهمية العمل المؤسسة وانشاء دائرة متخصصة بالعمل الاجتماعي في شركات القطاع الخاص، داعيا الى ان تكون المبادرات في المسؤولية الاجتماعية "ذات اثر مستدام على المجتمعات المحلية"، ولفت الى ضرورة ان تفصح الشركات في تقاريرها المالية السنوية عن برامجها ومشاريعها الاجتماعية ما يضفي نوعا من الشفافية والوضوح في عمل الشركات في هذا المضمار.